مقالات

حذار من عواصف مقبلة

حذار من عواصف مقبلة – جليل وادي

وهكذا بدأنا نجني ثمارا متعفنة لعقدين من الاهمال واللامبالاة ، وانعدام الروح الوطنية ، وغياب الضمير ، وعدم الشعور بمسؤولية قيادة الأوطان ، فالأوطان لا تُبنى بالذين لا يرون منها الا أنفسهم ومصالح أحزابهم ، وما تضفيه عليهم من وجاهة ، لا يستحق أن يتقدم الصفوف من لا يدرك قيمة بلاده وعمق تاريخها وأدوارها الانسانية ، خائن من لا يضع العراق في حدقات عينيه ، وعميل من يغلّب مصالح الغير على منافع بلاده ، وليس جديرا بالقيادة من لا يملك صورة للمستقبل ، وأبعد ما يكون عن الانسانية من يرى أهله يدفنون بالتراب أحياء ولا يحرك ساكنا.

فكم هي حصيلتنا من الذين بيدهم الحل والعقد وفقا لما ذكرت ، والجواب لديكم بالتأكيد ، كل يُبرّيء نفسه مما يجري ، والجميع يلقي باللائمة على غيره ، بعضم يجر بالعرض وآخرون بالطول ، هذه هي حال البلدان التي تفتقد للمتين من الأنظمة ، والعميق من الرؤية . (وشيعة وضايع رأسها) أكثر الأوصاف انطباقا على ادارتنا السياسية ، حتى بلغ اليأس بالناس مبلغا بأن لا حل لمآسيهم ، ولا استعادة محتملة لمكانة بلادهم ، صرنا مضرب أمثال حتى للمتخلف من البلدان ، أليس عيبا أن تتحول أرض السواد الى مقبرة تجول بها العواصف الترابية التي بلغ عددها سبع عواصف خلال شهر واحد؟.

لا أريد الحديث عن أيام رمادية عاشها الناس ، فقد اشبعت نقاشا في وسائل الاعلام ومواقع التواصل ، بضمنها وسائل لدول صحراوية تستغرب ما حدث لنا ، وما لفتني في تلك النقاشات ان الدوائر المختصة بمكافحة التصحر ومعالجة الكثبان الرملية المتحركة بلا تخصيصات مالية منذ عـام 2014 هذا ما قالته مسؤولة لإحدى القنوات الفضائية ، وأظن ان التخصيصات المرصودة لها قبل هذا التاريخ لا تتناسب وحجم المهام الموكلة لها ، فكيف لا تدفننا العواصف الترابية ، وتقتل ما بقي من أشجار البساتين وحدائق البيوت ، وتلويث المدن بشوارعها وبناياتها ، وحرمان الأهالي من لذة العيد ، واجبارهم على لزم بيوتهم التي تسلل الغبار الى جميع أركانها ؟ .

طبعا لا نعرف على وجه الدقة ان كانت خطط مكافحة التصحر علمية ورسمت بأيدي خبيرة ، وتحقق الأهداف المرجوة ، ام اعدت بعشوائية ، ووظفت سياسيا كبقية الملفات؟.قد يكون من حسن حظنا أن مظاهر التصحر ملموسة ، ولا يمكن لأحد نكرانها ، او التفلسف بعبارات براقة بشأنها ، غبار كثيف يغطي كل شيء ، حتى وصل مدى الرؤية الى أقل من مائة متر ، لكننا سنكون في القادم من السنوات بمواجهة تصحر آخر أشد تعقيدا وأكثر بلاء من العواصف الترابية ، وهو (التصحر الثقافي) الذي بتنا نلمسه في كل مكان ، سلوكيات غير حضارية ، تراجع في الذوق العام كلاما وملبسا ، حضور معيار ( الغُلب ) في المعاملات، (التقفيص) على الناس بأية طريقة ، عدم الاهتمام بالبيئة ، ضعف الالتزام بالنظام ، الاستحواذ على الأرصفة وأجزاء من الشارع ، بروز قلة الأدب وعدم الاحترام ، ومظاهر أخرى يتعذر ذكرها او التعبير عنها ، حتى تشعر انك في غابة ينهش القوي فيها الضعيف ، ما خرجت من منزلي يوما وعدت رائق المزاج أبدا .والتصحر الثقافي او ( الفراغ الثقافي ) بالتعبير العلمي لهذا المعنى يعد بيئة ملائمة لاستيطان الكثير من الأمراض الاجتماعية ، فما كان لظاهرة تعاطي المخدرات ان تكون بهذا الاتساع لو كنا قد أولينا تثقيف المجتمع اهتماما ، او لظاهرة الطلاق ان تشيع ، او للجريمة أن تزيد، او لعنف الأطفال أن يكون بهذا الشكل المرعب .

ويمكنني القول دون تردد ان أكثر وظائف الدولة اهمالا هي الوظيفة الثقافية ، فمنذ أربعة عقود وثقافة المجتمع تتشكل عشوائيا، لقد أهملنا التربية تماما، فما عادت المدرسة تهتم بالشق الثاني من وظيفتها المتمثلة بالتربية ، وهل من قيمة للتعليم بلا تربية ؟ شدوا الأحزمة رجاء قبل أن تفترسنا خطوب الزمان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى