مقالات

حكومة الكاظمي… الاولويات ام الحكم بالأعلام؟

حسن خليل حسن

من يظن ان العراق ما قبل التظاهرات الاخيرة يشبه ما بعدها فليس له حظ بفهم المشهد السياسي، فمرحلة ما بعد الكاظمي تختلف بالمضمون وان بدت ذات اختلاف شكلي فقط، الكاظمي المخضرم بالفن الاعلامي، جاء في زمن مرتبك لكنه لم يضيع مكتسبات المرحلة، قرّب الاصوات الاعلامية الهادرة ليصنع الفرق اعلامياً، فصوت الاعلام هو من يحكم الشارع بعد ان انكفأ صوت الاسلام السياسي المتهم بالفساد والفشل.اهم ما في مرحلة الكاظمي هو تذويب المكانة السياسية للكتل الكبيرة في المشهد والقرار المؤثر، لم يلتقي بهم الا في لحظة التكليف وهي لحظة الامر الواقع، شكّل اسرع الحكومات وحصل بذلك على اقل اللعنات، فهو يعمل بجميع صلاحياته في آن واحد، ويكتفي بمجاملة شكلية للقرارات التي كانت تُطبخ في قلب الابراج العالية، كما ان صمت المتظاهرين وخفوت الحراك الشعبي بعد تسنّم الكاظمي ليس من فراغ، بل لأدراك الشارع المنتفض ان جميع الاجراءات التصاعدية للعمل الحكومي كان وما زال لإرضاء المتظاهرين عن بعد، وهذا يتناغم مع عدم رضاهم على الاداء الحكومي في جميع مفاصل الدولة.الكاظمي ادرك ان تسنمه منصب رئاسة الوزراء يعد هدية الشارع الساخط في الاحتجاجات الاخيرة، وهو بذلك يستفيد من تجارب الاخفاقات السابقة للعراق، ليسير بولايته نحو نقطة تحول فارقة بعد العام 2003، باختصار هو يعمل بمنظومة قرارات عميقة تبدو وانها ذات مغزى اعلامي، بدون النظر عن نفاذها او تلكؤها، المراهنة على مسألة الوقت في الاداء فيتحرك ليلاً ونهاراً بكل الاتجاهات، كما يبدو ان آخر من يحاول ارضاءهم هم الخصوم السياسيين الذي اعترضوا بجبهة عريضة على تسنمه المنصب حينما كان اول المرشحين له.السطوة الاعلامية ستوفر للكاظمي فائدتين الاولى جس النبض الجماهيري في الاعلام الذي هو مرمى الوعي الوحيد حاليا، وبعدها تهيئة الارضية لسحب البساط من تحت اقدام النظام السياسي الحالي، بعد ان ايقنت الجماهير والمرجعيات عدم جدوى الوجوه المتكررة في ظل البرلمان الذي تسيره قادة الكتل الاسلامية، وربما يكمن سر قوة الكاظمي في قرب قراراته من توجهات الشباب والكتل المدنية التي تتعطش لتغيير الوجوه وزعامة المشهد، هو يدرك ان قوى الشباب المتظاهر هي من اعطته فرصة كبيرة لأنه جاء من غير دعم الوجوه السياسية الكبرى، وعلى مرارة من الوجوه الاخرى، وبهذا فهو يتحرك بثقة ومرونة بالرغم من انه جاء في وقت اشد الازمات، وربما الثقة تأتي من فراغ الساحة من المراهنين على المنافسة السياسية الرقمية بالرغم من التفات البعض لهذه النقطة مؤخرا.ما ينقص الكاظمي الان الحاجة لترشيد الجرأة وتقنين الانتصارات الاعلامية، ومراجعة دقيقة لجدوى القرارات السابقة وفائدتها على الواقع الجماهيري ككل وليس لقوى الرفض الجماهيري فقط، فوضع القرارات في ميزان المصلحة الوطنية للوضع الراهن يظهر ان فيها الغث والسمين، فالحركة ضد الفصائل المقاومة لم تكن بالقرار الرصين، وان كان يبحث عن خطوة لاستشعار رضا الاقطاب الداخلية والخارجية الفاعلة التي تراقب المشهد او البحث عما يحقق نصراً اعلامياً كبيراً، كان من الافضل ان يعالج مشكلات تمدد الاكراد على الارض والاقتصاد العراقي، اما الفصائل المقاومة فهي ظهير استراتيجي ضروري للوضع الامني العراقي، ولا يوجد تأثير سلبي واقعي او محتمل على القضايا السياسية العراقية.الجميع يعلم ان الكاظمي يحاول ارضاء خصوم الحشد من امريكان وخليجيين وقوى مدنية تدعي بوجود تأثيرات ايرانية في قرارات هذه الفصائل، بينما لم تثبت الوقائع ذلك، بل التحرك المسلح لهذه الفصائل لم يكن سوى ردة فعل بمقابل الاعتداء عليها داخل ارض الوطن، وربما نجحت امريكا مؤخراً بخلق احداث تسببت بردة الفعل ضد قواعدها في العراق، ونجحت بإظهار هذه القوى التي تعمل طوال السنوات الاخيرة تحت مضلة الحكومة وتأتمر بأوامرها وكأنها معضلة امنية عراقية بينما الحقيقة غير ذلك، كما ان قضية الفصائل المسلحة ليست بمصاف قضايا اهم مثل كشف الفساد والاموال المنهوبة من قبل مافيات سياسية معروفة، فخصومة الداخل امر ذو نتائج عكسية وهذا ما اثبتته التجارب في زمن علاوي والمالكي، كما ان العراق بحاجة الى قوة شبه حكومية ساندة تتحرك وفق سياق ايجابي في ظل استمرار مخاطر داعش واعادة نفث الروح فيه، والاطماع التركية المتنامية في شمال العراق، وربما ضرورية في هذا الوقت للتلويح بالردع للانفصاليين من شركاء الوطن.يمكن للكاظمي في هذه المرحلة الارتكاز على المرونة الكبيرة في التعامل مع فصائل المقاومة العقائدية التي ترتكز على قناعات وطنية وان عكس الاعلام المضلل غير ذلك، ان اخذ عهود المقاومة بان يكون تحركها ضمن القضايا العراقية ممكن جدا مقابل تطبيق اجلاء سريع للوجود الامريكي الذي يتسبب دائماً بأزمات داخلية وخارجية متعاقبة، وهو الحل الانسب في هذه المرحلة، كما ان التنصل من اتفاقية العراق مع الصين واحدة من السلبيات، اذ اشارت اللجنة الاقتصادية النيابية مؤخراً ان الحكومة اغفلت في برنامجها الحكومي العديد من الأمور الاقتصادية المهمة في ظل الظرف الاقتصادي الحالي الصعب، بينما كان يمكن للكاظمي مسك العصا من الوسط، فان تشذيب الاتفاقية بما يخدم وضع العراق الذي يحتاج الى الربط السككي مستقبلاً بشكل مصيري غير قابل للقسمة على اثنين، حيث اصبح النفط اقتصاد الكسالى والاعتماد عليه من البلاهة والاستسلام للإفلاس والمجاعة،في هذا الظرف على الكاظمي ان يركن جميع الملفات الثانوية ولا يستجيب لضغوط الادارة الامريكية، العراق يحتاج لمن يأخذ بيده لتحقيق تجارب تنمية الاقتصاد التجاري والنهوض بالزراعة الحديثة وتوليد الطاقة النظيفة، هذه الملفات لا يمكن لغير الصين ان تحققها على المدى المنظور، من جانب الغرب يمكن تأمين علاقات مرضية مع الغرب، وهذا الدور لا يمكن لغير الكاظمي ان يلعبه في هذه المرحلة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى