مقالات

رقابة التصدي وحماية أموال الدولة

رقابة التصدي وحماية أموال الدولة – احمد طلال عبد الحميد البدري

اصدرت المحكمة الاتحادية العليا الدعوى المرقمة ( 213/ اتحادية /2021) في 9/2/2022 قراراً مهماً يتعلق بالحفاظ على اموال الدولة تطبيقاً لنص المادة (27) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 التي نصت الفقرة (اولاً) منها على حرمة المال العام واعتبار حمايته من المواطنين واجب وطني ، في حين جائت الفقرة (ثانياً) منها لتوجب على المشرع اصدار قانون ينظم حفظ وادارة املاك الدولة وشروط التصرف فيها والحدود التي لايجوز فيها النزول عن هذه الاموال، وهذا يقتضي بطبيعه الحال تفعيل النصوص القانونية التي تكرس هذه الحماية الدستورية والغاء النصوص التي التي تحد من فاعلية النص الدستوري او تخرق الحماية الدستورية المقررة لاموال الدولة ، وهنا يجب التنويه ان (اموال الدولة) وهو المصطلح الذي نفضله لشموليته يصنف الى نوعين ، الاول : هو الاموال العامة (الدومين العام) وهي الاموال التي تكون مخصصة بالفعل او بموجب مقتضى القانون لاغراض المنفعة العامة او الجمهور ، اما النوع الثاني : فهو الاموال الخاصة ( الدومين الخاص ) وهي اموال الدولة غير المخصصة للمنفعة العامة ، فالاصل ان جميع اموال الدولة خاصة مالم تخصص للاغراض العامة ، لذا فأن معيار اعتبار اموال الدولة عامة هو معيار (التخصيص لاغراض النفع العام ) ، وهذا مانصت عليه المادة (71) من القانون المدني رقم (40) لسنة 1951 المعدل التي جاء فيها ( 1ـ تعتبر اموالاً عامة العقارات والمنقولات التي للدولة او للاشخاص المعنوية والتي تكون مخصصة لمنفعة عامة بالفعل او بمقتضى القانون 2 ـ وهذه الاموال لايجوز التصرف فيها او الحجز عليها او تملكها بالتقادم )، وللاسف ولغاية كتابه هذا المقال لم يصدر عن المشرع قانون شامل ينظم ادارة وحماية اموال الدولة والتصرف بها ما خلا قانون بيع وايجار أموال الدولة رقم (21) لسنة 2013 المعدل الذي تضمن هفوات تشريعية ، وسنحاول تناول هذا القرار لتضمنه توجهات جديدة للمحكمة الاتحادية العليا في مجال تبني رقابة التصدي في المحاور الاتية :محكمة عليا1- تضمن قرار المحكمة الاتحادية العليا موضوع البحث النظر في الطعن التلقائي الذي تم تحريكه من قاضي تحقيق نزاهة الناصرية بعدم دستورية نص المادة (15/اولاً ) من قانون بيع وايجار اموال الدولة رقم (21) لسنة 2013 المعدلة بقانون التعديل الاول رقم (21) لسنة 2016 والتي اجازت لمنتسبي دوائر الدولة او القطاع العام المتزوجين الذين لايملكون هم وازواجهم او اولادهم القاصرون دار اوشقه سكنية او ارضاً على وجه الاستقلال ولم يكونوا قد حصلوا على وحدة سكنية او قطعه ارض سكنية من الدولة او الجمعيات التعاونية الاشتراك في المزايدة العلنية لشراء الوحدات السكنية التي لاتزيد مساحتها عن (300م) العائدة للدولة ، باعتبار النص المذكور يتعارض مع احكام المادة (5/رابعاً) من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة 1991 المعدل التي حضرت على الموظف الاشتراك والدخول في المزايدة الخاصة بالدائرة التي تعود اليها الاموال اذا كان موظفاً فيها او كان مخولاً بالتصديق على البيع او الايجار او كان احد اعضاء لجان التقدير او البيع …الخ ، والحقيقة ان هذا الطعن محل نظر لان المادة (15/اولاً) من قانون بيع وايجار اموال الدولة لا تتعارض مع المادة (5/ رابعاً) من قانون انضباط موظفي الدولة رقم 14)) لسنة 1991 المعدل ، لانه نص خاص يقرر حكماً خاصاً يسمح للموظف الذي لا يملك هو او احد افراد عائلته وحدة سكنية الاشتراك في المزايدات لشراء هذه الوحدات وتكون الاولويه له في حال كونه شاغل لها، ومؤكد اذا كان دخوله المزايدة يتعارض مع عمله في لجنة التقدير او البيع او المصادقه على الاحالة فانه يمكن له التنحي عن هذه اللجان ، ويشترك بالمزايدة عند تحقق شروط نص المادة (15/اولاً) من قانون البيع والايجار والمتثمله بعدم امتلاكه وزوجه واولاده القاصرين وحدة سكنية وهذا النص مقرر لدعم الوضع الاقتصادي للموظف من ذوي الدخل المحدود ، وهذا النص لايشكل خرقاً للمادة (27) من الدستور لان شراء الوحدة السكنية يتم وفق قيمتها الحقيقية المقرره وعن طريق المزايدة العلنية ، كما انه لايخل بمبدأ المساواة بين العراقيين لان المساواة المقصودة هي المساواة بين المواطنين الذين يكونون في مراكز قانونية متماثلة ، ومع ذلك فأن تطبيق نص المادة (15/اولاً) من قانون البيع والايجار يجب ان يكون من ضمن شروطه ان لايكون الموظف الذي يرغب بالاشتراك بالمزايدة العلنية لشراء وحدة سكنية عضواً في لجان التقدير والبيع لتعارض المصالح واثارة شبهاة الفساد.2- ذهبت المحكمة في قرارها انف الذكر في معرض ردها للطعن بعدم دستورية المادة (15/اولاً) من قانون بيع وايجار اموال الدولة الى ان هذا النص يعد لاغياً للشق الاخير من المادة (5/رابعاً) من قانون الانضباط التي حضرت على الموظف الاشتراك في المزايدات التي تجريها دوائر الدولة والقطاع العام ، ومن وجهة نظرنا لايعد لاغياً وانما مقيداً لهذا النص في حال تحقق شروط تطبيق المادة (15/ اولاً) من قانون بيع وايجار اموال الدولة ، وفي حال عدم تحقق هذه الشروط يعد الحضر سارياً بحق الموظف الذي يمتلك فعلاً هو او وزوجه او اولاده القاصرين وحدة سكنية او قطعه ارض ، لان الغاية من السماح للموظف من الاشتراك بالمزايدة هو تمكينه من الحصول على وحدة سكنية لضمان العيش الكريم له ولافراد عائلته حتى وان كان متقاعداً كونه من الفئات الهشة ومن ذوي الدخل المحدود ، اما اذا كان الموظف يملك وحده سكنية زالت عله السماح له بالاشتراك بالمزايدة ، ويكون المنع بحقه سارياً استناداً للمادة (5/ رابعاً) من قانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة 1991 المعدل ، لان القول بالغاء الشق الاخير من هذه المادة سيجعل اشتراك الموظف في المزايدات مطلقاً وهذا مالم يتغياه المشرع من نص المادة (15/ اولاً) من قانون بيع وايجار اموال الدولة رقم (21) لسنة 2013 المعدل ، لذا فأن قرار المحكمة الاتحادية العليا برد الطعن شكلاً لعدم اشتماله على اسباب الطعن وحججه واسانيده استناداً للمادة (3) من النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا رقم (1) لسنة 2005 صحيح من حيث النتيجه وليس من حيث التسبيب .3- تضمن قرار المحكمة الاتحادية العليا توجهاً جديداً يمثل في توسيع نطاق رقابة المحكمة على دستورية القوانين من خلال مايعرف فقهياً بـ (رقابة التصدي) وهو اتجاه محمود نادينا به في كتاباتنا ومقالاتنا ، ورقابة التصدي تعني سلطة القضاء الدستوري في تجاوز نطاق الدعوى الدستورية ، وهو استثناء من قاعدة (عدم تجاوز القاضي لطلبات اطراف الدعوى) المعروفه في قانون المرافعات ، واساس ذلك اتساع فكرة النظام العام في مجال القضاء الدستوري باعتباره المسؤول عن مراقبه مدى اتفاق القوانين والانظمة مع الدستور الذي يتمتع بمرتبة سامية عنها ، ولذلك سمي (قانون القوانين) ، حيث يعد الفقه الفرنسي ان جميع الدفوع امام القضاء الدستوري متعلقه بالنظام العام وان على على القاضي الدستوري ان يثير من تلقاء نفسه اي دفع يتعلق بتطبيق الدستور بجميع نصوصه ومبادئه دون استبعاد اي نص اومبدأ منها ، وهذا يقتضي من المحكمة الدستورية ان لاتقف على النصوص القانونية التي يدعي فيها الطاعن مخالفتها او تعارضها مع الدستور وانما لها ان تمد رقابتها لاي نص تشريعي اخر اذا ما وجدت مخالفته للدستور ، وان لاتكتفي بذلك وانما عليها ان تستوثق من اتفاق او تعارض النصوص المطعون فيها مع الدستور منظور اليه في جميع احكامة ، حتى وان لم يتم الاشاره اليها في الدعوى الدستورية او الاحالة التلقائية مــن محكمة الموضوع .اموال الدولة4- وحسنناً فعلت المحكمة الاتحادية العليا عندما تصدت الى عدم دستورية المادة (24/ ثالثاً) من قانون بيع وايجار اموال الدولة رقم (21) لسنة 2013 المعدل التي اجازت للبلديات بموافقة وزير البلديات والاشغال العامة ولامانه بغداد بيع الاراضي المخصصه للاسكان ببدل حقيقي وحسب اسعار مثيلاتها المقدرة من قبل لجان التقدير (بدون مزايدة علنية ) الى العراقيين المتزوجين الذين لايملكون هم وازواجهم او اولادهم القاصرون دار اوشقه سكنية او ارضاً على وجه الاستقلال ولم يكونوا قد حصلوا على وحدة سكنية او قطعه ارض سكنية من الدولة او الجمعيات التعاونية ، لانه مخالف لاحكام المواد (27/ ثانياً ، 14 – 16) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 باعتبار ان بيع اموال الدولة العقارية بدون مزايدة علــــــنية يلحق ضرراً بهذه الاموال التي يقــــــع واجب حمايتها وصيانته على الكافة ومدعاة للتجاوز عليــــــــها بلا وجه حق وتملكها خلافاً لمتطلبات المصلحة العامة اضافة لكون هذه المادة مخالفه لمـــــــبدأين دستوريين في المواد (14-16) من الدستور المتعلقه بالمساواة وتكافؤ الفرص والذي يتحقق باخضاع الجميع لاجراءات موحدة في الحصول على الوحدات السكنية عن طريق ( المزايدة العلنية) ، وبذلك قررت المحكمة الاتحادية العليا الغاء هذا النص لعدم دستوريته لمنع الاستثناءات في عملية التصرف باموال الدولة ومنع سوء التصرف بهذه الاملاك وفقاً لرغبات البلديات وامانه بغداد واخضاع عملية التصرف بالاموال لمبدأ ( المزايدة العلنية ) تطبيقاً لاحكام المادة (27/ اولاً) من دستور 2005.5- لوحظ ان المحكمة الاتحادية العليا قد تصدت الى المادة (24/ ثالثاً) من قانون بيع وايجار اموال الدولة رقم (21) لسنة 2013 المعدل فقط باعتبار ان النص الذي تصدت له مرتبط بالنص المطعون بعدم دستوريته ارتباطاً لايقبل الانفصال ، وكنا نتمنى من المحكمة الاتحادية العليا مد رقابتها لكافه النصوص التي تتضمن استثناءاً على مبدأ (المزايدة العلنية) في التصرف باموال الدولة المنقولة والعقارية الواردة في القانون وعدم الاكتفاء بالتصدي لهذا النص فقط .لما تقدم ندعو المحكمة الاتحادية العليا الى مد رقابة التصدي لتشمل كافة النصوص المخــــــــالفة للدستور المرتبطة بالنص المطــــــعون بعدم دستوريته ام غير المرتبطه به وتوسيع نطــــــــاق فكرة النظام العام والتصدي التلـــــــقائي للنصوص المخالفه للدستور .كما ندعو المشرع العراقي الى اعــــــادة النظر بقانون بـيع وايجار اموال الدولة وتصــــــــحيح مفهوم اموال الدولة لتكون شاملة للاموال العامة والخاصة وتقـــــــليل الاستثناءات الواردة على التصرف باموال الدولة الا للضرورات القصوى كالحروب والكوارث واعتماد مبدأ (المزايدة اعلنية ) كأساس لكافة التصرفات التي ترد على امــوال الدولة .والله الموفق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى