مقالات

شراكة ثنائية دائمة ومستدامة

فرهاد علاء الدين‮

‬بعد الكثير من التوقعات،‮ ‬أكّد البيت الأبيض في‮ ‬بيان‮ ‬رسميّ ‬في‮ ‬2 آب أنّ‮ ‬اجتماعًا بين رئيس الوزراء العراقي‮ ‬مصطفى الكاظمي‮ ‬ورئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب سيُعقَد هذا الأسبوع لمناقشة‮ “‬التحديات التي‮ ‬يطرحها وباء فيروس كورونا بالإضافة إلى قضايا الأمن والطاقة والاقتصاد‮”، ويأتي‮ ‬هذا الاجتماع على خلفية الجولة الثانية من الحوار الاستراتيجي‮ ‬بين البلدين التي‮ ‬أثارت جدلا كبيرا‮.‬شدّدت الولايات المتحدة كثيرا على فكرة أنّ‮ ‬هذه المحادثات‮ ‬يجب أن‮ ‬تُعيد العلاقة إلى الوضع الصحي‮ ‬والمستدام سياسيا‬،‮ ‬وفقا لتصريح‮ ‬غير رسمي‮ ‬أدلى به أحد المسؤولين الرفيعي‮ ‬المستوى في‮ ‬الحكومة الأمريكية‮، ‬فقد اتّضح جدا أنه كان لا بدّ‮ ‬من القيام بأمرٍ‮ ‬ما لإعادة التأكيد على العلاقة بين الولايات المتحدة والعراق نظرا إلى مجموعة الأحداث التي‮ ‬جرت في‮ ‬فصليْ‮ ‬الخريف والشتاء الماضييْن.‬وشدّدت الجهة العراقية أيضا بشكلٍ‮ ‬كبير على الحوار الاستراتيجي، فالحكومة العراقية بحاجة إلى دعم الولايات المتحدة لمواجهة تحدياتها المالية والاقتصادية المستمرة فضلًا عن المساعدة في‮ ‬محاربة داعش ‬الذي‮ ‬قد‮ ‬يظهر مجددا، ‬إلّا أنّ‮ ‬هذا الدعم لن‮ ‬يأتي‮ ‬من دون شروط،‮ ‬لا سيّما بعد قرار إخراج القوات الأمريكية من العراق الذي‮ ‬أصدره البرلمان العراقي‮ ‬في‮ ‬كانون الثاني‮ ولم‮ ‬يُطبَّق حتى الآن‮.‬لذلك،‮ ‬سيصل الكاظمي‮ ‬إلى الولايات المتحدة فيما‮ ‬يخضع للضغط السياسي‮ ‬الهائل من الداخل لإنشاء اتفاق حقيقي‮ ‬وفي‮ ‬غضون ذلك،‮ ‬تُعرب الفصائل المسلحة‮ ‬عن استيائها من خلال زيادة الاعتداءات على القواعد والقوافل الأمريكية في‮ ‬الأيام القليلة الماضية‮، ‬ويُتوقَّع أن‮ ‬يستمرّ‮ ‬ذلك وأن‮ ‬يتمّ‮ ‬التصعيد ربما حتّى موعد الاجتماع‮.‬إلى ذلك،‮ ‬رغم المصلحة المشتركة التي‮ ‬تحققها المشاركة في‮ ‬الحوار،‮ ‬يتّضح وجود فجوة بين المطالب والتوقعات الأمريكية والعراقية،‮ ‬مع أنّ‮ ‬الجهتيْن تحافظان على التفاؤل الحذز بشأن إمكانية التوصل إلى صفقة‮ ‬يتفق عليها الطرفان‮.‬يركّز الدبلوماسيون الأمريكيون باستمرار على أنّ‮ ‬هدفهم هو تحقيق‮ ‬شراكة ثنائية دائمة ومستدامة سياسيا ‬مع العراق‮، ‬إلا أن الشيطان‮ ‬يكمن في‮ ‬التفاصيل،‮ ‬وتتجاوز المطالب الأمريكية هذه النقاط العامة وتشمل شروطًا محددة قد تجد الحكومة العراقية أنّه من الصعب استيفاؤها‮.‬قال مسؤولٌ‮ ‬عراقيٌّ‮ ‬على صلة وثيقة مع مفاوضات الحوار الاستراتيجي‮ ‬إنّ‮ ‬الحكومة العراقية تتطلّع إلى تحقيق‮ ‬جولة ناجحة من المحادثات ذات نتائج ملموسة،‮ ‬تكون بعيدة عن الميدان الأمني‮ ‬إنما تغطي‮ ‬قطاعات أخرى مثل الاقتصاد والاستثمار والتجارة والتعليم والصحة وغيرها‮، ‬فنحن بحاجة إلى مساعدة الولايات المتحدة ونريد أن نكون شركاء معها،‮ ‬ونحن نقدّم لتحقيق هذه الغاية صفقات كبيرة إلى الشركات الأمريكية الراغبة في‮ ‬العمل في‮ ‬العراق،‮ ‬وستُعرَض في‮ ‬خلال المحادثات‮‬،‮ ‬كما قال المسؤول العراقي‮ ‬الذي‮ ‬طلب عدم الكشف عن هويّته‮.‬نقاط التباين‮:‬حتى الآن،‮ ‬حافظ واضعو السياسات الأمريكيون والعراقيون على دبلوماسيتهم،‮ ‬فتفادوا القضايا المثيرة للخلاف في‮ ‬هذه المرحلة‮. ‬لكن تتعدد المواضيع المعقَّدة التي‮ ‬ستركّز عليها حتمًا هذه المحادثات،‮ ‬وستساعد كيفية تناول هذه القضايا على تحديد نجاحات الحوار القادم وعوائقه‮.‬الأزمات الاقتصادية العراقية والنفوذ الاقتصادي‮ ‬الإيراني‮:‬العراقيون في‮ ‬أمسّ‮ ‬الحاجة إلى الأموال لمواجهة التحديات الاقتصادية الناتجة عن وباء‮ ‬كوفيد‮ 91 ‬وهبوط أسعار النفط،‮ ‬ويأملون المزيد من الولايات المتحدة‮، ‬وفي‮ ‬غضون ذلك،‮ ‬تعتقد الولايات المتحدة أنّ‮ ‬احتمال قدوم الأموال الإضافية‮ ‬يبقى ضئيلًا،‮ ‬إلّا إذا ازدادت الجهود لمحاربة الفساد وتنفيذ الإصلاح‮، ‬فترفض الولايات المتحدة بشكلٍ‮ ‬قاطع دفع الأموال التي‮ ‬ينتهي‮ ‬بها المطاف‮ “‬في‮ ‬الجيوب الخاطئة‮”.‬ما‮ ‬يعقّد مسألة المساعدة الاقتصادية أكثر فأكثر هي‮ ‬مسألة التجارة مع إيران،. ‬فتبلغ‮ ‬قيمة التجارة بين العراق وإيران حاليا‮ ‬12 مليار دولار،‮ ‬وتهدف الجهة الإيرانية إلى رفع قيمة التجارة الثنائية لبلوغ‮ ‬20 مليار دولار، ‬لكن تسير هذه التجارة فعليًّا باتجاه‮ ‬واحد‮، خاصةً‮ ‬في‮ ‬قطاعيْ‮ ‬الكهرباء والغاز حيث‮ ‬يشتري‮ ‬العراق من إيران ‬ويبدو أنّ‮ ‬الولايات المتحدة ترى هذا الاعتماد على التجارة مع إيران بمثابة إظهار واضح وغير مبرر لدعم العراق الاقتصاد الإيراني،‮ ‬وقد هدّدت الحكومة السابقة بفرض عقوبات إذا لم‮ ‬يوضع ذلك تحت السيطرة‮.‬على نطاق‮ ‬أوسع،‮ ‬يعتقد الأمريكيون أن إيران تتمتع بنفوذ ‬كبير ‬جدا في‮ ‬العراق والمنطقة بشكل‮ ‬عام،‮ ‬ويرغبون في‮ ‬الحدّ‮ ‬منه‮ ‬لكن نظرا إلى العلاقة المتأصّلة بين إيران والمؤسسة السياسية في‮ ‬العراق،‮ ‬لن تتحقق هذه المهمة بسهولة‮، ‬ففيما‮ ‬يرى الكثير من العراقيين أهمية الحفاظ على علاقة ثابتة ومتوازنة مع إيران،‮ ‬لم تتمكّن الحكومات العراقية المتتالية من تقليص النفوذ الإيراني‮.‬دور القوات الأمريكية وقوات‮ ‬الحشد الشعبي‮ لم‮ ‬يتّضح بعد ما هو الدور الذي‮ ‬ستؤدّيه القوات الأمريكية المتمركزة حاليا في‮ ‬العراق إذا توصّل الطرفان إلى اتفاق، ‬فلا‮ ‬يريد الكثير من العراقيين القوات المقاتلة الأمريكية على الأرض إلا لتقديم الاستشارة العسكرية. ‬وبدلًا من ذلك،‮ ‬يريدون أن توفّر الولايات المتحدة الغطاء الجوّي‮ ‬ضدّ‮ ‬تنظيم‮ داعش، ‬بالإضافة إلى تدريب القوات العراقية وتزويدها بالمعدات‮، غير أنّ‮ ‬بعض القوات المقاتلة‮ ‬ولو بأعدادٍ‮ ‬أصغر بكثير ‬ستكون لازمة لحماية المستشارين العسكريين،‮ ‬وستطلب الولايات المتحدة حمايتهم القانونية‮ ‬وفضلًا عن ذلك،‮ ‬تعتقد الولايات المتحدة أنّ‮ ‬بناء المؤسسات الأمنية وإصلاحها‮ ‬ضروريان،‮ ‬وبالتالي‮ ‬ستطالب بهما على الأرجح قبل القيام بأي‮ ‬التزامات تتعلق بحركة القوات‮.‬يدفع المتشددون الحكومة العراقية إلى تنفيذ قرار مجلس النواب العائد إلى السنة الماضية لإخراج كافة القوات الأجنبية من الأرض العراقية، ‬ويتّضح‮ ‬غياب التوافق الوطني‮ ‬حول هذه المسألة،‮ ‬إذ لم‮ ‬يشارك الأكراد والسنّة في‮ ‬عملية التصويت البرلماني‮ ‬والأهمّ‮ ‬هو أنّ‮ ‬الولايات المتحدة لا تريد قطعا سحب قواتها تحت الضغط‮ ‬فهي‮ ‬ترى أنّ‮ ‬القرار البرلماني‮ ‬اتُّخذ بتأثيرٍ‮ ‬من إيران،‮ ‬وتعتبره بالتالي‮ ‬استسلامًا لا‮ ‬يجوز الرضوخ له ‬وعلاوةً‮ ‬على ذلك،‮ ‬يجب أن تكون أي‮ ‬عملية لسحب القوات إما قائمة على اتفاقٍ‮ ‬تم التوصل إليه مع الحكومة العراقية،‮ ‬وإما بتنفيذٍ‮ ‬من الإدارة الأمريكية في‮ ‬ظلّ‮ ‬ظروف‮ ‬تراها مناسبة‮.‬وعلى نحوٍ‮ ‬مماثل،‮ ‬تريد الولايات المتحدة أن‮ ‬يضع العراق قوات‮ ‬الحشد الشعبي ‬تحت السيطرة،‮ ‬وأن‮ ‬ينزع سلاحها ويُزيل التهديد الذي‮ ‬تشكّله على الدولة وقوات التحالف على حدٍّ‮ ‬سواء‮. ‬فقد صرّح مرّةً‮ ‬أحد المسؤولين الأمريكيين المقرّبين من المفاوضات قائلًا‮: ‬من‮ ‬غير المقبول أن تقوم عناصر‮ الحشد الشعبي بإطلاق النار على قواتنا من دون مواجهة أي‮ ‬عواقب وقد أبلغنا حكومة الكاظمي‮ ‬أنه لا‮ ‬يمكن السماح باستمرار ذلك.‬تشكّ‮ ‬الولايات المتحدة أيضًا في‮ ‬قيام إيران باستخدام العراق كمعبر لنقل الأسلحة والصواريخ إلى سوريا‮ ‬ورغم أنّ‮ ‬هذه الأنشطة أصبحت أقل شيوعًا بكثير من السابق،‮ ‬فهي‮ ‬لا تزال تشكّل مسائل تعني‮ ‬الولايات المتحدة إلى حدٍّ‮ ‬كبير،‮ ‬ويريد المفاوضون الأمريكيون معالجتها بجدّيّة خلف الأبواب المغلقة‮.‬في‮ ‬زيارة رئيس الوزراء الكاظمي‮ ‬التي‮ ‬تمتد على ثلاثة أو أربعة أيام وجولات اجتماعاته،‮ ‬سترغب الحكومة العراقية في‮ ‬تقديم صورة تُظهِر نجاح الرحلة، ‬فسيشكّل لقاء الرئيس ترامب في‮ ‬المكتب البيضاوي‮ ‬فرصة كبيرة لالتقاط الصور إذا سارت الأمور على ما‮ ‬يُرام‮ ‬والأهم هو أنّ‮ ‬هذه الجولة من المحادثات في‮ ‬الحوار الاستراتيجي‮ ‬ستحقق منافع مهمة للوفد العراقي‮ ‬إذا عاد حاملًا معه نتائج ملموسة‮.‬ستكون الولايات المتحدة راضية على الأرجح من جهتها إذا تمكّنت من إقناع الوفد العراقي‮ ‬ورئيس الوزراء بالابتعاد ولو قليلًا عن إيران والتوجه نحو موقفٍ‮ ‬أكثر حيادا،‮ ‬والأهم من ذلك هو التوصل إلى شكل اتفاق‮ ‬يتعلّق بالإطار الأمني‮ ‬وببقاء القوات الأمريكية في‮ ‬العراق‮.‬في‮ ‬الظروف الراهنة،‮ ‬يبقى كلا الحكومتيْن في‮ ‬حاجة ماسة إلى تصدُّر بعض العناوين الرئيسية الإيجابية ولا‮ ‬يمكن أن تتحمّلا أي‮ ‬أوضاع‮ ‬غير مؤاتية‮ ‬ولأسباب مختلفة،‮ ‬سيخسر كلا الطرفيْن أمورا كثيرة إذا تعثّرت المفاوضات.‬ومع أخذ ذلك في‮ ‬الاعتبار،‮ ‬من المهم بالنسبة إلى الجانب الأمريكي‮ ‬أن‮ ‬يُدرك أنه في‮ ‬خلال هذه الجولة من الحوار،‮ ‬لا‮ ‬يمكن مساعدة العراق عبر تدوين بعض الكلمات اللطيفة فحسب على بيان‮ ‬مشترك‮ فالعراق بحاجة إلى المساعدة الحقيقية في‮ ‬مجموعة متنوعة من القطاعات،‮ ‬وتتمتع الولايات المتحدة بالمعدات والحوافز الجيدة لتوفير هذا النوع من المساعدة ضمن الإطار الصحيح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى