مقالات

قراءة في مزرعة الحيوان قوانين المعاناة

محمد صالح البدراني

عندما تكون الحالة النفسية سليمة عندي فلا أتوقع أن أوقف بقرة لتعلمني قواعد الإدارة، أو انبهر بنهيق الحمار وابحث عن مقاصد عميقة في نهيقه، لكن هذا ما يحصل فعلا عند انبعاث الصراصير فإنك ستسمع أسئلة عن الكيمياء من عريرها وكيفية تحويل الأجواء المليئة بالأوكسجين إلى جو مشبع بالميثان، إنها الهزيمة التي تجعل بغلا يتفاخر بنسب أبيه ويتحدث عن الأصالة مثلا، ونحن نضرب مثلا بمخلوقات الله التي لم تخلق لتتماشى مع خيالنا، فهي مخلوقات لها مهام وفق التوازن البيئي، وان ما نريده منها هو خارق للطبيعة إن فعلته تذهب الطبيعة إلى الدمار ويصبح الإنسان مشروع تلاشي ولعلنا والحال هذه نستذكر رواية مزرعة الحيوان التي بدأت بحلم رآه خنزير عجوز “ميجر”ثم ليحققه ثلاث خنازير طموحة؛ عندما أخذت الحيوانات دورا غير دور خلقها في قراءة أخرى لتلك الرواية العميقة، والتي لم تخرج صاحبها ليصنف ككاتب روائي بل بقى صحفيا عند من يقيم هذه الدرجات، مع عمق تلك الروايات التي كتبها ولكن من يبحث عن وضع الناس في صناديق لن يمكنه تقييم عباقرة كجورج أورويل كما سمى نفسه.

الحيوانات التي ثارت بعد الم وجوع وإهمال من السيد (الإنسان) وعماله الكسالى وسيطرت على المزرعة كما في الرواية سنت قوانينها الطموحة والتي تعبر عن معاناتها من السيد (الإنسان)، لكن الخنزير سنوبل الذي وضع القوانين وكان متضامنا معه الخنزير نابليون الطموح من غير كفاءة وسكويلر البوق الإعلامي العتيد، لم يكونوا قد مارسوا الحكم فما لبثت القوانين أن تمطت لتعطي معاني استرخاء عن الفكرة الثورية إلى السيطرة الفردية، عندما يطرد نابليون التافه سنوبل بواسطة كلاب مدربةمن سلالة كلاب السيد الإنسان متهما له بالعمالة للسيد الإنسان منذ البداية دون تفسير أن يكون هو قائد الثورة وعميل في آن؛ فيصبح قتل الحيوان للحيوان ممكنا أحيانا، وارتداء الملابس ممكنا والنوم على السرير ضرورة .تقاعد التكنوقراطانتهت حياة الحصان بوكسر التكنوقراط المتفاني في عمله، والذي لم يكن يكف عن ترديد جملة “الزعيم نابليون دائما على حق”، على يد زعيمهم نابليون، حيث قام ببيعه، لكبر سنه وتدهور صحته، لجزار الحيوانات بائع اللحوم دون أن يرف له جفن.

امتعضت الحيوانات لما حل بالحصان، فحدثت فوضى واختل القانون لبعض الوقت في المزرعة لكن استعادة نابليون وسكويلر لسيطرتهم على الحيوانات المغيبة امر سهل.

إن المخلصين والتكنوقراط الذين يعملون ولا يهمهم من يحكم يكونون دوما ضحايا الشذوذ والفوضى والفساد؛ رغم انهم أناس يعملون ولا يسألون عن جهدهم لكنهم يهملون عند أول فرصة يتمكن الفساد بها من إبعادهم، وهذه سنّة ثبتها القرآن في حالة فجة من الشذوذ والفساد “فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ“ بينما الفاسد منهم يبقى متمكنا كذراع للفساد مقابل الفتات وذاك ثمن بخس. الإحساس بالظلم لا ينشئ فكرا وإنما يكون دافعا لتهيئة الجيوش لطغاة مازالوا يستثمرون الألم لركوب زفرات الحزن نحو قلاع وزنزانات وجلادين، وان غياب الخطة القريبة والبعيدة يجعل الحراك فاشلا ليس بالضرورة أن يسقط وإنما أن يرتد إلى ما أنكره الثائرون على من ثاروا عليه فكان سببا لثورتهم عندما نفترض أن النوايا سليمة، وهكذا يحاول نابليون أن يقلد السيد الإنسان فيسير على قدمين ليكون شعار السير على أربع “حسنا”، متحولا إلى أن من يسير على قدمين “أحسن”، وأسوأ الناس من ينسى ألمه عند رخاء، لان ألمه لم يك لإحساس باهله وبيئته ؛بل كان الم الحسد للظالم وتمني مكانته وذاك تمام العبودية للحاجات والغرائز بلا حدود.معادلة خماسيةلم يتحقق للحيوانات إزالة الظلم بل عاد بشكل الطغيان، ولم يك السبب هو الإنسان وإنما غرائز حب السيادة والتملك ذاتها ولم يك نابليون ولا بوكسر ممثلان لأقصى اليمين واليسار ليستمرا بنجاح، ذلك أن المعادلة تحتاج حضور العوامل الخمس والنجاح حاصل ضربها ببعضها واي منها تنخفض قيمته يؤثر على الجميع أو يعطي الصفر علامة الفشل الحتمي ما لم تعدل المعاملات.

احتمالية النجاح = الحس بالحاجة للتغيير والتطوير للذات (وتشمل ثقة الجمهور) × الخطة المرحلية وقريبة المدى والتي تحدّث بتكتيك التنفيد× الرؤية بعيدة المدى كاستراتيجية إصلاح وتغيير يتعامل مع الزمكان× المــــــــــــــــــــال × أناس تفهم الفكرة وآليات تطويرها والا تموت مع معدها أو تجمد زمكانيا عنده=1.

القيم ليست رقمية وإنما وجود (1) والغياب (صفر)، وإذا أردنا أن نحصل على أرقام لنسبة نجاح متوقعة فلابد من إعطاء وزن لكل عامل من مائة ثم جمعها وهنا يكون للقيادة والإدارة دور هام.

التقليديةالجهاز المعرفي في حل المشكلات له أهمية كبرى حيث يلجأ معظم الناس إلى التقليدية وتحقيق الغايات رغم خطورة المغامرة في عصر التقدم التقني ولا يتبنى الحديث الذي هو أدق وأفضل وأنجع، وهذا سيكون مشكلة عندما يفكر بهذه الطريقة عناصر مهمة كالطبيب والمهندس عندما لا يجلب التقنية الأحدث وأصحاب الفكر في استدعاء الماضي كرد على الإخفاق في الحاضر وإبعاد حقيقة أن الفكر الأم يلد الجديد مع العصور.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى