مقالات

كملتْ السبحة!

احمدعبد الحسين

اليوم كانت الذكرى الأولى بعد المائة لتأسيس الدولة العراقية إثر تنصيب فيصل الأول ملكاً. مرّت الذكرى نسياً منسياً فالدولة مشغولة بحاضرها، خائفة من مستقبلها، والذكرى ترفٌ وبطرٌ عند المترقّب الخائف.قبل مائة عام وعام كانت الدولة العراقية جنيناً، لا حكومة ولا جهاز تشريعي ولا قضاء، فجأة جيء لنا برجل وقور معقّل وقيل: هذا هو الملك، فصرنا رعيته. ثم قيل: هذه هي دولتكم فصرنا مواطنين فيها، وصار لنا علم ودستور ومجلس أمّة هجاها الرصافيّ جميعاً في بيت شعري شهير.

بعد مائة عام وعام عادت الدولة إلى سيرتها الأولى، جنيناً لا حول له ولا قوّة. فماذا لدينا؟ لدينا حكومة تصريف أعمال مكبلة اليدين برغبات الأحزاب ـ المسلّح منها وغير المسلّح ـ ومع ذلك يريد الجميع منها أن تجترح معجزات عجزتْ عنها حكومات سابقة بدورة ودورتين؛ بيدين مبسوطتين وبميزانيات انفجارية وتضامنٍ محاصصاتي كان يرضي الجميع، المسلّح وغير المسلّح.لدينا أيضاً سلطة تشريعية غائبة، عطّل الخاسرون ثلثها لكي يخسر الفائز، فانسحب الفائز وعطّل معه الثلثين الآخرين ليخسر الجميع.ثم لدينا سلطة قضائية قالتْ قبل يومين إنها على “مسافة واحدة” من المتصارعين، لكنّ المحتجين المعتصمين صاروا أقرب إليها اليوم، بل على أبوابها ولم تعدْ على ذات المسافة من الجميع. وكما يحدث لمن يستيقظ ويفتح عينيه على غبش وبصيص ضوء فلا يدري أهو ضوء الفجر أم هو آخر ما تبقى من الشمس قبل المغيب، فالمشهدان متشابهان حدّ التطابق، واليأس والأمل يتناوبان على القلوب، كذلك لا يجزم أحد إن كان عجز الدولة الآن هو عجز الجنين الذي تقف السنوات كلها بانتظاره، أم عجز الشيخ العجوز الذي يتهيأ لحفرته. مائة وواحد، بعدد حبات المسبحة التي يتذكرها العراقيون في أمثالهم ساخرين حين يرون أمراً غريباً يدعو للسخرية: “الآن كملت السبحة”. قبل مائة عام وعام كانت الدولة عاجزة فوجدتْ آباء مؤسسين كانوا أهلاً للمسؤولية، وبعد مائة عام وعام عادت الدولة إلى عجزها بعونٍ من أبناء فاسدين لصوص قاطعي طريق مافيويين مشغولين بالمكوّنات عن العراق، مشغولين بأموالهم عن الناس، مشغولين ببطونهم وفروجهم عن شرف قيادة أمة عظيمة كالأمة العراقية، محبّين حدّ العشق لأوطان الآخرين كارهين أشدّ الكره لوطنهم الذي صار عندهم مجرد خزانة مالٍ.بعد مائة حبة وحبة، لدينا حكومة مغلوبة على أمرها، وبرلمان مختفٍ، وها هو القضاء يغلق أبوابه .. لتكمل السبحة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى