مقالات

لا إفراط في التفاؤل

مرتضى عبد الحميد

من يسمع التصريحات والآراء والتغريدات التي يدلي بها ممثلو الثالوث المقدس: الشيعة والسنة والكرد، في امتداح الكاظمي وقدرته على انتشال العراق من الهاوية، واخراجه من النفق المظلم الذي افتقد لفترة طويلة بصيصاً في نهايته، يأخذه العجب ازاء هذه “الموهبة” في الانتقال من اليمين الى اليسار وبالعكس في لحظات قصيرة من عمر الزمن.

والأنكى ان قوى مسلحة ومليشيات اضاعت هيبة الدولة في كومة من القش الطائفي والولاء للاجنبي، لم تتخلف عن هذه الزفة، رغم ان بعضها اتهم الكاظمي في الأمس القريب بما يصل الى تخوم الخيانة العظمى، إن لم تكن هي نفسها الخيانة العظمى.

فماذا عدى مما بدا؟ ولماذا تتقمص هذه الحملة الاعلامية دور الفزعة العشائرية؟ وهل ان العراق حقا مقبل على مرحلة جديدة تتحقق فيها اماني وطموحات الشعب، وترضي المنتفضين وتقنعهم بالعودة الى منازلهم واعمالهم؟ وهل ان توبة بنات آوى صادقة هذه المرة؟! ام ان وراء الأكمة ما وراءها، والأكمة هنا هي اعادة انتاج السيناريو الذي طبق بنجاح مع علاوي والزُرفي،

حيث التأييد والدعم اولاً، والانقلاب عليه ثانياً، لا سيما وان الوزارة المستقيلة تحظى بأفضلية كبيرة لدى العديد من هذه القوى، لأنها الأكثر انصياعاً لمطالبها وجشعها والأكثر انبطاحاً وذلة أمامها، وبالتالي فان الهدف الأسمى لها هو بقاء هذه الحكومة وضخ حياة جديدة فيها.

ان التفاؤل وما يعنيه من امل في الخروج من العتمة الى النور جيد وضروري، والشاعر نادى به قبل مئات السنين:

أُعلّلُ النفس بالآمال أرقبُها

ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل

لكن التفاؤل يجب ان يبني على اسس واقعية وموضوعية، ولا بأس هنا من الحلم شريطة عدم المبالغة فيه، فالأحلام كثيراً ما تتحول الى حقائق، والى سفن تمدّ اشرعتها باتجاه المستقبل.

ان السيد الكاظمي وحكومته، اذا صادق عليها البرلمان وبصرف النظر عن كفاءتها ونزاهتها، لا تمتلك عصا سحرية لحل المشاكل العويصة والازمات الخانقة، التي جعلت من حياة العراقيين جحيماً، فضلا عن توازن القوى السياسي السائد حالياً وهو لصالح قيادات الدولة العميقة، المدعومة من الاجنبي مقابل ولائها وتنازلها عن المصالح الجذرية وغير الجذرية للشعب العراقي.

اذا استطاع الكاظمي ان ينفذ جزءاً من وعوده وبرنامجه الحكومي الذي رسم خطوطه العريضة في اول تصريح له، فسيكون قد حقق شيئاً كبيراً ومهماً للعراقيين.

اذا استطاع ان يفتح ثغرة في جدار المحاصصة، هذا السم القاتل للجسد العراقي، وان يُقلّم أظفار الفاسدين والتماسيح منهم خصوصا، ويحاسب قتلة المتظاهرين، ويجري انتخابات مبكرة على قدر من النظافة وقلة التزوير واستخدام المال السياسي، يكون قد سجل اسمه في صفحات التاريخ الخالدة، وحظي بحب الشعب العراقي وتمجيده.

لكن الشرط الذي لا غنى عنه لتحقيق ما يُعتد به، وما يُمهد الطريق لاصلاح ذات البين، هو التجديد الثوري للانتفاضة، وتلافي النواقص والثغرات التي ظهرت في الصفحة المشرقة الاولى من عمرها،

وحاول استغلالها المتصيدون في بئر الزيف والخداع والدجل المركب، وأولها ملء الفراغ القيادي والاتفاق على تنسيقية واحدة او عدد محدود من التنسيقيات، تتعاون فيما بينها وتركز على المشتركات والاهداف الرئيسية. كذلك تشذيب شعاراتها والحفاظ على سلميتها، مصدر قوتها واتساع جماهيريتها، والسير بثبات في طريقها المفضي لا محالة الى غدٍ مشرق للعراق ولكل ابنائه

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى