مقالات

لا نوّاب في المدن

د. فاتح عبدالسلام

في‭ ‬الاربعينات‭ ‬والخمسينات‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬حين‭ ‬يصل‭ ‬النائب‭ ‬عن‭ ‬الموصل‭ ‬أو‭ ‬البصرة‭ ‬أو‭ ‬الحلة‭ ‬الى‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬العراقي،‭ ‬كان‭ ‬يمثل‭ ‬مدينته‭ ‬ويحمل‭ ‬لواء‭ ‬مطالبها‭ ‬ويدفع‭ ‬باتجاه‭ ‬التشريعات‭ ‬التي‭ ‬تهمها،‭ ‬فهو‭ ‬يمثل‭ ‬مدينته‭ ‬اولاً‭ ‬قبل‭ ‬الحزب‭ ‬او‭ ‬التيار‭ ‬الذي‭ ‬ينتمي‭ ‬اليه‭. ‬وكان‭ ‬نواب‭ ‬المدن‭ ‬يجتمعون‭ ‬ويناقشون‭ ‬القضايا‭ ‬التي‭ ‬سيبحثونها‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬قبل‭ ‬سفرهم‭ ‬الى‭ ‬بغداد‭. ‬اليوم‭ ‬المحافظات‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬ممثلين‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬النواب‭ ‬بهذا‭ ‬المعنى،‭ ‬فالنائب‭ ‬يمثل‭ ‬حزبه‭ ‬فقط‭ ‬الذي‭ ‬يكون‭ ‬رئيسه‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬أخرى‭ ‬ولا‭ ‬يعرف‭ ‬عنها‭ ‬شيئا‭ ‬سوى‭ ‬في‭ ‬الزيارات‭ ‬العابرة‭ ‬في‭ ‬موسم‭ ‬الدعاية‭ ‬الانتخابية‭. ‬حتى‭ ‬الأقليات،‭ ‬ليس‭ ‬لها‭ ‬ممثلون‭ ‬مرتبطون‭ ‬مباشرة‭ ‬بها،‭ ‬وانما‭ ‬هم‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬تمثيل‭ ‬حزبي‭. ‬لا‭ ‬بأس‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬لنواب‭ ‬المدن‭ ‬انتماءات‭ ‬او‭ ‬توجهات‭ ‬حزبية،‭ ‬فلا‭ ‬أحد‭ ‬يستطيع‭ ‬منع‭ ‬حصول‭ ‬هذا‭ ‬الشيء،‭ ‬لكن‭ ‬على‭ ‬النائب‭ ‬ان‭ ‬يتحرك‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬مدينته‭ ‬أولا‭ ‬وليس‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬إرضاء‭ ‬زعيم‭ ‬حزبه‭ ‬الجالس‭ ‬تحت‭ ‬ظلال‭ ‬الامتيازات‭ ‬الوارفة‭ ‬في‭ ‬بغداد‭. ‬لقد‭ ‬رأيناكم‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬المثل‭ ‬الشامي‭ ‬فوق‭ ‬وتحت،‭ ‬وبالشمس‭ ‬والفيء،‭ ‬ولا‭ ‬زلتم‭ ‬كزعامات‭ ‬سياسية‭ ‬موسمية‭ ‬الحركة‭ ‬والهتاف‭ ‬وربّما‭ ‬العمل،‭ ‬بعيدين‭ ‬عن‭ ‬واقع‭ ‬المدن،‭ ‬التي‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬اعطاكم‭ ‬صوته‭ ‬،‭ ‬ولايزال‭ ‬يظن‭ ‬فيكم‭ ‬خيراً‭ ‬وأملاً،‭ ‬لكنّكم‭ ‬لم‭ ‬تردوا‭ ‬الجميل‭ ‬للناس‭ ‬أو‭ ‬للوطن،‭ ‬وتظنون‭ ‬انكم‭ ‬اكتسبتم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬لقب‭ ‬نائب‭ ‬أو‭ ‬زعيم‭ ‬كتلة،‭ ‬طبقة‭ ‬الوقاية‭ ‬الثخينة‭ ‬المضادة‭ ‬كونوا‭ ‬نوّاباً‭ ‬للمدن‭ ‬والبلدات،‭ ‬لا‭ ‬نوّاباً‭ ‬لأحزاب‭ ‬وزعامات‭ ‬سياسية‭ ‬كرهها‭ ‬الشعب‭ ‬منذ‭ ‬أمد‭ ‬بعيد‭.‬‭.‬للانتقاد‭ ‬والمساءلة‭ ‬والمطالبة‭ ‬بالعمل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬البلاد‭ ‬والعباد‭. ‬اذا‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬مَن‭ ‬جاملكم‭ ‬طويلاً‭ ‬أو‭ ‬خشي‭ ‬من‭ ‬غدر‭ ‬أغلبيتكم‭ ‬قليلاً‭ ‬أو‭ ‬كثيراً‭ ‬أو‭ ‬تملّق‭ ‬اليكم‭ ‬ذليلاً،‭ ‬فلم‭ ‬تسمعوا‭ ‬كلمة‭ ‬الحقيقة‭ ‬فيكم،‭ ‬فإنّ‭ ‬الشارع‭ ‬العراقي‭ ‬غير‭ ‬بعيد‭ ‬عنكم،‭ ‬وهو‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬التملق‭ ‬والنفاق‭ ‬والتزلف،‭ ‬حين‭ ‬يهدر‭ ‬صافياً‭ ‬نقياً،‭ ‬فاتقوا‭ ‬بأس‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يأتي‭ ‬،‭ ‬فلا‭ ‬رادّ‭ ‬لقضاء‭ ‬الله‭ ‬اذا‭ ‬أتى‭. ‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى