مقالات

لماذا يموت المصابين من كوفيد- 19 ؟

محمد كريم إبراهيم

فيروس كورونا التي عدت وباءاً من قبل منظمة الصحة العالمية لها قدرة تمويت المصاب بنسبة 1.4% إلى 2.3% . لكنها على عكس ما تظنه العامة، فأن الفيروس نفسها لا تقتل المريض، بل يموت المصاب من مسببات أخرى له علاقة بالجسم والكائنات أخرى بدلاً من الفيروس.

في أغلبية الحالات، ينجو المريض من المرض في حوالي أسبوعين، ويسيطر جهاز المناعي على العدوى، ويقتل الفيروس والخلايا المصابة بها. لكن في حالات الخاصة مثل مرضى مصابين بأمراض المزمنة، يزداد نسبة الوفيات لعدم قدرة أجهزة الجسم على العمل بكامل طاقتها لمحاربة المرض.

بالأساس، يعود سبب الوفيات مرضى مصابين بكورونا إلى ثلاث علل رئيسية :

أولاً – أشخاصٌ ذات أجهزة الجسم الضعيفة : هناك عدة أشخاص يعيشون مع أمراض مزمنة الذي يعطل جهاز الجسم من القيام بوظيفتها على أكمل وجه. من هؤلاء المرضى هم المبتلين بأمراض الرئوية مثل الربو والحساسية، وليس هناك حاجة إلى شرح كيف يؤثر بهم الفيروس (الأمر جلي). هناك أشخاص آخرين لديهم أمراضٌ قلبية. والقلب يكون مرتبطاً مباشرتاً بالرئتين، فإن قل نسبة الأوكسجين نتيجة أصابة الرئة بفيروس كورونا، سوف يحاول القلب تعويض من هذا النقص من خلال تسريع ضرباته لكي يلبي حاجة باقي أجزاء الجسم من الأوكسجين، وهذه تسارعات أو تغييرات في ضربات القلب يكون ضعيفاً ومعللاً عند وجود أمراض به (كأنسداد أوعية التاجية أو عجز القلب)، مما يجعل تعويض غير ممكنا، وبالأضافة إليه يعمل قلب المريض فوق طاقته المسموحة وهذا ما يشكل خطراً على المصابين بأمراض قلبية. عادة لا يسمح لهؤلاء المرضى ممارسة أعمال شاقة لعدم قدرة قلوبهم على تحمل نقص الأوكسجين فيه وفي باقي أجزاء الجسم. أما اشخاص ذات أجهزة المناعية الضعيفة كمرضى نقص المناعة المكتسب ومرضى السرطان الذي يتواجدون بأعداد هائلة في دول أوربية، فلا يتحمل مناعتهم محاربة الفيروسات والبكتريا الموجودة في رئتهم مما يشير على موت محتم لهم.

مرضى السكري والكلى هم في قائمة التالية. بمجرد أنتقال فيروس من الرئتين إلى أوعية دموية، فأنه يبدأ بالأنتقال حول جميع أجزاء الجسم ويبدأ بالتحرش على باقي أجهزة الجسد، وهذه العلة خطيرة حتى للأشخاص سليمين من أمراض المزمنة. مرضى الكلى يعتمدون في الغالب على أجهزة غسل كلى بدلا من خلايا كليتهم الميتة. فهم عادةً لديهم زيادة في ضغط الدم لعدم قدرة جسمهم على تخلص من سوائل الزائدة، ففي هذه الحالة، يمكن للفيروسات أن يعمل مثل الملح تماماً جاذباً المزيد من سوائل للبقاء داخل الأوعية بدلاً من الخروج منها، وهذا من ممكن له أن يسبب ضغطاً عالياً جداً في الأوعية قد يصل إلى حد أنفجاره في رقعٍ رقيقة. أضافةً إلى ذلك، يسبب مرض الكلية نقص في الدم، وهذا يجعل حالة نقص الأوكسجين أمراً خطيراً قد يؤدي إلى غيبوبة والموت مباشرتاً.

أما بالنسبة لمرضى سكري، فهم معرضين لمشاكل أكبر. واحد من أعراض الجانبية لمرض السكري هو ضعف في مناعة الجسم، ويقدر الفيروس أن يستغل هذه الفرصة لنمو أضعافاً مضاعفة في الرئتين، وكذلك فرصة أكبر في الأختراق والدخول إلى داخل الجسم. الأصابة بإي مرض معدي في مرضى السكري يحفز الحماض الكيتوني السكري وقد تؤدي إلى موت أن لم يتعالج بسرعة. وأغلبية تلك أمراض المزمنة تتواجد في كبار العمر مما أعطي لفيروس كورونا أسم ” قاتل العجائز “.

ثانياً – منعطفات غير متوقعة : حكمة ” لا تشتري شيئاً حتى تفحصه وتجربه ” يمكن أن ينطبق على الأناس أيضاً. نحن لا نعلم كيف يستجيب أشخاص المتنوعين للعدوى حتى يصابوا به. لا يوجد ردة فعل فريدة لجميع أجسام المختلفة التي تختلف في الوراثة والحجم والأداء. هل سينجو المريض من المرض؟ هل سيتعافى بشكل تام منه ويرجع إلى سابقه؟ كيف يستجيب الجسم للأدوية المعطاة؟ كم يستغرق مدة الأصابة؟ وإلى أي مدى يقدر المريض على أداء وظائفه اليومية تحت وطأة المرض؟ كل هذه الأسئلة تختلف أجابتها بين مريض ومريض. بالتحديد، نريد أن نعرف كيف يستجيب الجسم للألتهاب الرئوي المسبب من قبل فيروس كورونا؟ هذا ما يقلق الأطباء حول العالم.

مرض ألتهاب الرئوي هو عبارة عن ألتهاب أكياس هوائية موجودة في الرئة الذي يكون وظيفته تبادل الغازات وهو يسمى بالحويصلات الهوائية. غالباً يكون المسبب البكتريا والفيروسات (مثل فيروس كورونا). خطورة هذا المرض يبقى في قدرته على إعاقة عملية تبادل الغازات في الرئة، وذلك لأن ألتهابات يجلب معه سوائل وخلايا مناعية التي تقتل خلايا رئة المصابة بالبكتريا والفايروس، وبالتالي يؤدي هذه سوائل إلى عدم قدرة الشخص على التنفس بصورة كافية وموت خلايا رئوية. معظم أفراد أصحاء يتشافون من ألتهاب الرئوي بغضون 3 إلى 6 أيام، ولكن نسبة الشفاء يعتمد بالكامل على أسلوب حياة الشخص وقدرة مناعته على محاربة العدوى، ثم على نوع المعدي ومدى إستطاعتهِ على إتلاف الرئة. فمثلاً، أشخاص المدخنين يكونون أكثر عرضة للموت من غير المدخنين، والأفراد الملقحين ضد فايروس انفلونزا والبكتريات التي تسبب ألتهاب الرئوي يكونون أفضل حالاً من غير ملقحين. وماذا عن قدرة المعدي على أختراق الأنسجة الرئوية للدخول إلى أوعية الدموية، هذه الخاصية يعتمد على الفيروس أو البكتريا الذي يصيب الإنسان، وقدرة مناعة الشخص على مقاومته، وإن كان ملقحاً ضده أم لا. وهناك حالة أخرى مقلقة عندما يأتي الأمر للأختلاف في وراثات الناس، إلا وهو تخثر الدم غير الطبيعي الذي يأتي بصورة مفاجئة بسبب فيروس كورونا كما أشارت الدراسات. كل تلك العوامل يجعل من فيروس كورونا عدواً أنتقائياً وأنتهازياً، يمزق الضعيف ويضعف القوي.

ثالثاً – عدوى الثانوية : يجهل عامة الناس أن أغلبية المصابين بفيروس كورونا لا يموتون من الفيروس نفسها بل من بكتريا أستغلالية الموجودة في الرئتين. نعم، البكتريا هو المعدي أكثر فتاكاً من الفايروسات. يوجد في سطح الرئتين وفي الأنف والحنجرة عديد أنواع من البكتريا والفايروسات خاملة التي لا تصيب الأشخاص ذات مناعة القوية ولا تسبب أي مشاكل هناك، ولكن عند ضعف المناعة أو عندما يكون المناعة منهكة من محاربة فيروس آخر، يستغل هؤلاء الكائنات فرصة التي فتحت أمامهم، ويتحولون من بكتريا غير ضارة إلى مقاتلين فتاكين يلتهمون خلايا ويساهمون في أحداث مضاعفاتها. في كثير من الحالات، يتغلب مناعة المصاب على فيروس كورونا، ولكن بعد أنهاكه لن يكون قادراً على مواجهة بكتريات التي كانت خامدة داخل الرئة وتحولت إلى عدوى قاتلة. فينجح البكتريا في سيطرتها على الرئتين بعد أن مهد

الفيروس طريقاً لها، وفي أغلب أحيان، ينجح أيضاً في دخول إلى أوعية الدموية وتكوين مستعمرات في أجزاء أخرى من الجسم، وإن حدث هذا، فهو يعني الموت للمريض.

يعتمد الأطباء على مضادات الحيوية للقضاء على تلك البكتريات التي تحاول أنتهاز الفرص، وقد ينجح هذا العلاج في تشفية المريض. ولكن هناك مشكلة أخرى تظهر رأسها الآن أكثر من اي وقت مضى، إلا وهي ظهور بكتريات مقاومة للمضادات الحيوية. مستدللاً على تجربتي كممرض جامعي في مستشفيات العراقية، أستطيع أن اقول أن هذه المعضلة سوف تكون أقوى تحدياً من الفيروس كورونا نفسه. بسبب أعتمادنا الزائد على مضادات الحيوية في معالجة كافة الالتهابات، تطورت البكتريات المعدية مقاومةً لهذه المضادات، حيث لا ينفع معها الأدوية الذي كانت تستخدم في القبل، ونحن الآن بدأنا بالتباطؤ في أكتشاف أدوية مضادات حيوية أخرى، ونتوقع بالمستقبل فشلنا في السيطرة على أبسط التهابات الناتجة من قبل بكتريات المقاومة للأدوية، مما يعني عودتنا إلى زمن ما قبل أكتشاف المضادات.

لو أرغمنا منظمات الصحية على تنبؤ وباء القادم، فأنا أتوقع بالتأكيد سوف يضعون أموالهم على بكتريات المقاومة للمضادات الحيوية. والفيروس كورونا سوف يكون كحبة غبار مقارنةً بما يقدر عليه تلك الكائنات التي تدربت لسنين كيفية أنتزاع الروح من البشر.

ربما قد تكون سالماً ومعافى من جميع هذه الأمراض المزمنة ومن كافة العوامل الذي قد يسبب مضاعفات خطيرة عند أصابتك بفيروس كورونا, لكن هناك ملايين من مرضى القلب والسكري والسرطان يعتمد بقاؤهم في الحياة على عزلك. بقاؤك في المنزل تعني حماية المستضعفين من المجتمع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى