مقالات

لمناسبة عيد المعلم.. كلمات حب صادقة بحق مَن علموني وعاشوا في وجداني

محمد نعمان مراد – أكاديمي وباحث

لا شك، يبدأ بناء المجتمعات الحضارية من البيت والمدرسة، فكلما كان أساس البناء التربوي والتعليمي متيناً والبناء مرصوصاً وخلاقاً يفعم المجتمع بالقيم والسمات الراقية في جميع الجوانب الأخلاقية والتربوية والتعليمية والثقافية والاجتماعية.

فكما هما الأبوين لهما التأثير المباشر والأساس في بناء الفرد وتقديمه عنصراً فعالاً في المجتمع فأن للمدرسة والجامعة أيضاً تأثيرهما الكبيرين في إعداد الأجيال وبناء المجتمعات والحضارات، إذ تساهم المدارس والجامعات بمعلميها ومدرسيها وأساتذتها وأثرهم الواضح في الطلبة ليس في البناء العلمي والتعليمي فحسب، بل يصل الى البناء الثقافي وسلوكيات الانسان في تحديد خط مساره في الحياة والتعامل مع المجتمع.

وفي عيد المعلم الذي نحتفي به في الأول من آذار من كل عام أدين بالعرفان لكل مَن علمني حرفاً وساهم في وضع بصماته في طريقي وفي طريق أصدقائي وكل جيلنا والأجيال السابقة واللاحقة في المسيرة التعيليمة عبر سنين طوال وفي ظروف شتى.

المستهل يكون بمنبع ثروة العراق وخيراته وثغر العراق الباسم (البصرة) الحبيبة وأهلها أهل الكرم والطيب، ولا تغيب عن ذكرياتنا المعقل حاضنة الثقافة والتطور والحياة المتحضرة الزاهية، من العقود الأولى من القرن العشرين، ومنذ ذلك الحين زهرت فيها الكثير من المرافق الحيوية ليس على مستوى محافظة البصرة فحسب، بل على مستوى العراق كله، ففي المعقل مطار البصرة الدولي وفندق شط العرب، وفيها ميناء المعقل الكبير بأرصفته وبناية المنشأة العامة للموانئ العراقية، ومحطة قطار المعقل الدولية، إذ كانت تنطلق منها القطارات الى أقاصي أوربا، ومحطة كهرباء النجيبية، والأبنية المشيدة على الطراز الانجليزي، وفي المعقل أكاديمية بحرية ومستشفى الموانئ وهناك مكتبة مركزية، وفي ومدينة الألعاب في حدائق الأندلس، وفي وسط شط العرب تقع أجمل المرافق السياحية جزيرة السندباد ويعتليها جسر خالد بن الوليد.

وفي المعقل نادي الميناء الرياضي بملعبه المشيد بأول أضواء كاشفة في الملاعب العراقية، وفيه ساحات رياضية للالعاب الأخرى ونادي اجتماعي يضم دارين عرض سينما صيفي وشتوي، ونادي الميناء الاجتماعي (Port Club) في شارع جنادين الشارع المنتشي بأشجاره وأزهاره ورياحينه، فقد كان يضم النادي حدائق بهية وقاعة كبيرة احتضنت الحفلات والفنانين من نجوم الفن العراقي والعربي، وفيه أيضاً مسبح صيفي ودارين عرض سينما صيفية وشتوية غير تلك التي في نادي الميناء الرياضي، وحديقة لألعاب الأطفال (المراجيح والسرسيحات) وبجوارها ساحتين للتنس، كما شيدث في حدائق ومتنزه الأندلس في المعقل مدينة ألعاب واسعة بداية سبعينات القرن الماضي، وقد كانت تجوب شوارع المعقل ومرافقها السياحية والرياضية والمؤسساتية الكثير من الناس من جنسيات دول الخليج والدول العربية والأجنبية.

أبدأ باعتزاز بالغ باستذكار ست فاطمة العمر مديرة روضة أطفال المعقل، ومعلماتي الفذات في مدرسة الثغر في المعقل في بنايتها القديمة التي كانت مديرتها الست خديجة عطا ومن ثم تم انجاز بناية مدرسة الميناء المختلطة الجديدة في شارع حطين بجوار البناية القديمة لمدرسة الثغر. وعلى رأس مَن استذكرهم والدتي الست لميعة طالب عبد الغني معاونة المدرسة (والأم مدرسة) كما يقول حافظ ابراهيم، فأذكر باعتزاز بالغ موقفاً لها معي عندما كنت في الصف الرابع الابتدائي، ففي ذات ليلة وأنا يغلبني النعاس مستلقياً في حضنها وهي تدرسني مادة الحياتية، أجدها تضربني برفق يدها الحنون، لتزيد من متابعتي لها وللمادة، فهي تريد أن تعلمني المادة كلها كلمة بكلمة، إذ كان لدينا امتحان في اليوم التالي، علماً بأنها كانت هي معلمة المادة وهي التي امتحنتنا في اليوم التالي!

واستذكر ايضاُ معلماتي في مدرسة الثغر ست كلارس وست جولي وست لولو وست ناهدة. وكذلك أذكر من ذلك الجيل الرائع مديرة مدرسة الميناء المختلطة الست سرية البارودي، ومعلماتي ست حذام عطا وست خالصة هارون وست عزيزة وست نجاة جويدة وست قمر وست رجاء جلال والشقيقتين ست سلوى وست سلمى عبد العزيز قاسم وست سلوى محمد باقي وست رجاء طلال وست شمس معلمة العلوم وست أنيسة معلمة الانكليزي وست خاتون معلمة اللغة العربية، وست سهام معلمة الرياضة وست ساهرة أوشانا معلمة الفنية وست خديجة معلمة الاجتماعيات وست نجاة الفضلي وست ناجحة.

وأستذكر أيضاً مدرسي متوسطة المعقل للبنين ومنهم: أستاذ كاظم الحاوي مدير المدرسة ومدرس الجغرافية في الوقت نفسه، ومعاون المدرسة أستاذ كاظم القريشي الذي درسنّا ىالتاريخ أيضاً، وأستاذ فاخر في الرياضيات وأستاذ حسن عبود الذي درسني الفيزياء والرياضيات ايضاً وأستاذ لازم في اللغة الانكليزية وأستاذ يحيى الشمخاني في الجغرافية، واساتذة اللغة العربية أستاذ لطيف وأستاذ عبد الجبار وأستاذ صبيح، وأستاذ عدنان الكروي مدرس الوطنية وأستاذ سلامة مدرس مادة العلوم وأستاذ مصطفى بدن في درس الرياضة والأستاذ الفنان عبد البطاط في درس الفنية الذي كان لي موقفاً معه الذي أعده درساً من دروس حياتي، واغتنم عيد المعلم لأذكر بفخر واعتزاز كبيرين هذا الموقف الذي حدث وأنا في الصف الأول المتوسط، فقد أبلغنا أستاذ عبد البطاط رحمه الله بتقديم عملاً فنياً في الاسبوع اللاحق لتقييم درجة الفصل الأول، وعندما ذهبت الى المدرسة لم أجلب معي عملاً لعدم اجادتي الأعمال الفنية. كان درسنا الثاني في الدوام الظهري وبعد خروجنا في فرصة الدرس الأول سمعنا ان أستاذ عبد البطاط كان في الصف الثاني يقيّم بجدية تامة الأعمال ويحاسب بدقة متناهية عليها وعلى صنعتها وأن أجود الاعمال للطلبة لم يمنحها اكثر من 85 من 100، وعلمنا أيضاً ان الذي لم يجلب عملاً تكون درجته 50 من مئة، وهنا بدأت بالإحراج بأن درجتي ستكون حتماً 50، وهذا بكل تأكيد، لا يتلائم مع طموحي في الإعفاء بجميع المواد بل سيقيده. فذهبت الى أحد طلبة الصف الثاني ممن قيّمهم أستاذ عبد البطاط وأستعرت منه عمله لأقدمه عسى ولعل انقذ موقفي المحرج. وعندما دخل أستاذ عبد البطاط حصتنا جلس في المقعد الأخير وأخذ ينادي طالب تلو الآخر يسأله عن عمله ويدقّق بحدة فيه ويضع تقييمه، وعندما جاء دوري ذهبت بالعمل ووضعته أمامه ودار بيني وبينه حواراً لم يستغرق أكثر من 20 ثانية التي كانت كفيلة بأن تكون لي درساً كبيراً وتخط لي مساراً صادقاً في حياتي، سألني: هل لديك أخ في الصف الثاني؟ قلت له: لا ، قال: هل أخذ منك أحد هذا العمل من الصف الثاني؟ قلت له: لا، أنا أخذته من طالب في الصف الثاني، فقال لي: لماذا؟ قلت له: لأني لا أجيد صناعة الأعمال الفنية ، قال: يعني كم تستحق الآن؟ قلت: 50 من مئة، قال: هذه 75 لأنك قلت الصدق في كلامك.. الفرحة التي غمرتني لم تكن ستغمرني حتى لو كنت قد جئت بأحلى الأعمال الفنية من صنعي.. لقد قيّم استاذ عبد البطاط، رحمه الله، الصدق الذي تربيت عليه، باعتباره فن الحياة والتعامل المثالي، فهكذا كنا نحن وهكذا كانوا معلمينا معنا، لا يعلموننا دروسنا والمادة المنهجية، فحسب، بل يرشدون الى السلوكيات والأخلاقيات الصائبة في الحياة.

كما واستذكر باعتزاز أساتذتي الكرام في إعدادية المعقل للبنين ومنهم أذكر، أستاذ فاضل معاون المدرسة ومدرس مادة الفيزياء وأستاذ حميد ماجد مدرس مادة الرياضيات وأستاذ عبد الشهيد مدرس الكيمياء وأستاذ علي عبود مدرس الرياضيات وأستاذ بهاء جبرائيل مدرس الفيزياء وأستاذ علي حنون مدرس الكيمياء وأستاذ مناحي مدرس مادة النبات وأستاذ عبد المنعم كمال مدرس مادة مادة الحيوان وأستاذ قصي ياسين مدرس اللغة الانكليزية وأستاذ علي لازم مدرس اللغة الانكليزية أيضاً، وأستاذ خيون في اللغة العربية واستاذ فوزي السيفي في اللغة العربية .

واستذكر أساتذتي الكرام في قسم علوم الحاسبات في جامعة البصرة وعلى رأسهم الراحل الكبير البروفيسور الدكتور صباح عبد العزيز والدكتور محمد الشربيني والدكتور جاسم طعمة سرسوح والدكتور طالب عبد الصمد والدكتورة نادية يعقوب والدكتور عبد الحسين عبدالله وأستاذ صفاء العلك وست هاله جورج والدكتور عباس الخفاجي والدكتور هيثم غالب الناهي وست ألحان وست عذراء وست نرجس ضمد.

وأنتقل الى العاصمة الحبيبة بغداد في كرخها ورصافتها ودجلة الخير. وأستذكر باعتزاز أساتذتي الأعزاء في قسم علوم الحاسبات في جامعة بغداد خلال الدراسات العليا ومنهم، الأستاذ الدكتور سلام ناصيف والدكتورة روشن عبد الرحمن والدكتورة لمياء الحافظ والدكتور صباح محمد امين الخياط والدكتور سعد عبد الستار مهدي والدكتور علي شميل والست مكية.

كما يسعدني أن أذكر أساتذة كان لهم تأثير في مسيرتي العلمية والبحثية والتعليمية ومنهم الأستاذ الدكتور هلال عبود تقي البياتي والأستاذ الدكتور هلال محمد يوسف والأستاذ الدكتور علاء الحمامي والدكتور عبد الكريم رجب طاهر والاستاذ الدكتور ماجد فليح النجار والأستاذ الدكتور هيثم عبد العال عبود زيارة والاستاذ الدكتور ضياء اسماعيل ابراهيم.

ونحن نعيش اليوم في زمن ثورة الحاسوب والبرمجيات والاتصالات، والتعليم الإلكتروني، أشيد بما قدمه لي من معلومات في التعليم الالكتروني الكثير من الأساتذة لا سيما في الفريق الوزاري للتعليم الالكتروني وأخص بالذكر منهم، الدكتور عامر سليم الأمير والدكتور عدي علي أحمد والدكتور محمود شكر محمود .

وعذراً لمن سقط من ذاكرتي سهواً ونسياناً ولم أذكره أو أذكرها، فكل منهم كانت له البصمة الحقيقية في حياتي، فلهم جميعاً كل الحب والتقدير من القلب في عيد المعلم وأقف دائماً إجلالاً وتقديراً واحتراماً، فعلى نهجهم نشق طريقنا في تعليم أبنائنا الطلبة، إذ بالقيم والمبادئ التعليمية والتربوية العليا الصادقة والنقية والنبيلة تتم صناعة الأجيال وتواصلها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى