مقالات

متى يستطيع العرب ضمان الأمن القومي بقوتهم الذاتية؟

الكاتب : رفيق خوري

تحديات الأمن القومي العربي تتعاظم. وليس أمراً عارضاً أن يصبح الوجود العسكري الروسي في سوريا، والوجود العسكري الأميركي في أكثر من بلد عربي، مصدر اطمئنان وخطر في آن.

مصدر اطمئنان للأنظمة في مواجهة داعش والقاعدة والتهديد الداخلي للأمن، كما في ضبط القوى الإقليمية التي تلعب على المسرح العربي. ومصدر قلق للقوى الإقليمية التي تعمل للهيمنة على العالم العربي، وللقوى التي قاتلت منذ منتصف القرن الماضي من أجل التحرر الوطني من الاحتلال والقواعد العسكرية الأجنبية.

والسؤال الذي لا يزال بلا جواب كامل هو: متى يستطيع العرب ضمان الأمن القومي بقوتهم الذاتية؟ هل يكفي أن تعود مصر إلى دورها القيادي العربي بعد الظروف التي دفعت إلى غياب الدور، وهو ما سبّب مشكلة جيواستراتيجية لمصر وجيوسياسية للعرب؟ بماذا تنتهي عملياً حسابات الرهان على هذه القوة العالمية أو تلك للحدّ من التغول الإقليمي في المنطقة؟ وكيف نواجه صراع المشاريع الإقليمية علينا بعد القراءة الواقعية في طبيعة تلك المشاريع؟

المشهد صار واضحاً من دون ضباب أو ظلال فوق الصورة: ثلاث قوى إقليمية تلعب على المكشوف فوق المسرح العربي، وسط فجوة في اللعبة الدولية سمحت لهذه القوى بأن تمارس لعبتين في الوقت نفسه. التمرد في بعض الأمور على القوى الدولية التي لم تعد قبضتها شديدة بفعل الأوضاع الداخلية لتلك القوى ورفض شعوبها للاستمرار في دفع ثمن الهيمنة، وما يسمى حماية أمن الحلفاء والأصدقاء.

والإفادة من حاجة القوى الدولية إلى قوى محلية حليفة تقوم بالمهام “الوسخة”، وبالتالي توظيف “ثلاثية” التنافس والتعاون والخصومة بين القوى الدولية في خدمة الطموحات الإقليمية. فضلاً عن أن ما راهنت عليه أنظمة عربية قبل عقود، وهو “الخيار الأوروبي” وخصوصاً “الخيار الفرنسي” كبديل عن “الخيار الأميركي” و”الخيار السوفياتي”، كان خياراً رومنطيقياً كما كشفت التجارب. فلا أوروبا تستطيع أن تكون البديل ما دامت عاجزةً عن حماية الأمن الأوروبي نفسه بالقوة الذاتية. ولا القوى العظمى، حيث حمت واشنطن أوروبا الغربية تحت مظلة حلف الناتو، وحمت موسكو أوروبا الشرقية تحت مظلة حلف وارسو، سمحت لأوروبا بأن تصبح قوة عالمية منافسة.

والقوى الإقليمية التي تخوض صراع المشاريع هي بالطبع إسرائيل وإيران وتركيا. والقاسم المشترك بين المشاريع هو بشكل عام الطابع الديني أو توظيف الدين في خدمة السياسة. مشروع جمهورية الملالي في إيران هو “الولاية”. مشروع تركيا بقيادة أردوغان وحزب “العدالة والتنمية” هو استعادة نوع من “الخلافة” عبر “العثمانية الجديدة”. ومشروع إسرائيل حتى في حسابات العلمانيين يتكل على الخرافات والتوراة.

ويروي الرئيس نيكسون في كتاب “قادة” أن بن غوريون قال له “أنا علماني لا أصدّق ما في التوراة، لكننا نوظف التوراة في مشروعنا”. ولا يبدل في الأمر أن تبدو إسرائيل كأنها في المرحلة الأخيرة من احتلال الأرض، وإيران في منتصف مرحلة المدّ، وتركيا في بداية التمدد.

ذلك أن إسرائيل ضمّت القدس والجولان وتستعد لضم المستوطنات وأجزاء إضافية من الضفة الغربية وفرض سيادتها على غور الأردن. وهي تمارس سياسة الاستيلاء على الأرض وتهجير الشعب.

في المقابل فإن إيران التي تحاول استعادة نوع من الإمبراطورية الفارسية تحت عنوان ديني، وتفاخر بأنها تحكم أربع عواصم عربية، تمارس سياسة “الشعب قبل الأرض”. إذ هي تراهن على ولاء مكوّنات مذهبية لها. وهي تموّل وتسلّح ميليشيات مذهبية مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، وتتكل عليها في الحرب بالوكالة مع “الشيطان الأكبر” الأميركي و”الشيطان الأصغر” الإسرائيلي، ومع خصوم مشروعها في العالم العربي.

 وهذا ما صارت روسيا تفعله في سوريا بعد أوكرانيا، إذ تموّل وتسلّح ميليشيات تابعة لها. أمّا تركيا، فإن رئيسها أردوغان الذي يقود حزباً إسلامياً في نظام علماني، فإنه يراهن على حركات الإسلام السياسي، وخصوصاً على الإخوان المسلمين والتنظيم الدولي لهم. واستعادة الخلافة هدف كل تنظيمات الإسلام السياسي. من تأسيس الإخوان في مصر بعد سنوات قليلة من سقوط السلطنة كمشروع “خلافة وأستاذية العالم”، بحسب بيان المؤسس الشيخ حسن البنا، إلى داعش الذي أقام علناً “دولة خلافة” داعشية. أي أن أردوغان يركز، مثل إيران، على قسم من الشعب، ويسلّح ويحّول ميليشيات تعمل لحسابه وتقاتل حالياً في إدلب وحلب.

واللعب على العرب مستمر مع القوى الدولية. إيران التي تواجه أميركا تتحالف وتنسق العمل في سوريا مع روسيا، وتلتقي ضمناً في العراق حول بعض الأمور مع أميركا، بصرف النظر عن العداء. تركيا تنسق مع أميركا ومع روسيا في سوريا. كذلك تفعل إسرائيل التي تقصف القوات الإيرانية في سوريا بدعم من واشنطن وتفهّم من موسكو.

والتحديات أمام العرب، تكراراً، تتعاظم في مواجهة “إمبريالية توسعية” إسرائيلية وإيرانية وتركية. والرهان على القوى الدولية حمّال أوجه من دون القوة الذاتية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى