مقالات

متى ينهض العراق، وكيف؟

د. نزار محمود

هناك‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬المهتمين‭ ‬بالشأن‭ ‬العراقي‭ ‬من‭ ‬ساسة‭ ‬وعلماء‭ ‬واقتصاديين‭ ‬وغيرهم‭ ‬كثير،‭ ‬وقليل‭ ‬من‭ ‬علماء‭ ‬النفس‭ ‬والاجتماع‭ ‬من‭ ‬المحللين‭ ‬والمستنتجين‭ ‬بابداع‭ ‬وواقعية‭ ‬ورؤى‭ ‬في‭ ‬الاصلاح‭ ‬والتطوير‭. ‬انا‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬مئات‭ ‬المعجبين‭ ‬بعلي‭ ‬الوردي‭ ‬لكني‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭ ‬امتلك‭ ‬الجرأة‭ ‬لأقول‭: ‬انه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬متماً‭ ‬لدوره‭ ‬العلمي‭ ‬والوطني‭ ‬والإنساني،‭ ‬لأسباب‭ ‬شخصية‭ ‬وموضوعية‭ ‬شتى‭ ‬لا‭ ‬يتسع‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬هدفاً‭ ‬أو‭ ‬مكاناً‭ ‬لها‭.‬ولأغراض‭ ‬المقال‭ ‬فإني‭ ‬أعني‭ ‬بالعراق‭ ‬تلك‭ ‬المجموعة‭ ‬البشرية‭ ‬التي‭ ‬عاشت‭ ‬منذ‭ ‬قديم‭ ‬الزمان‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬رسم‭ ‬لاحقاً‭ ‬لهذا‭ ‬البلد‭ ‬من‭ ‬ارض‭ ‬وادي‭ ‬الرافدين‭ ‬من‭ ‬حدود‭ ‬بكل‭ ‬الوانه‭ ‬واطيافه‭ ‬العرقية‭ ‬والمذهبية‭ ‬والفلسفية‭. ‬وهي‭ ‬بالتالي‭ ‬حصيلة‭ ‬ما‭ ‬ابدعته‭ ‬من‭ ‬تراكمات‭ ‬ثقافية‭ ‬وحضارية‭ ‬وارث‭ ‬تاريخي‭ ‬طبع‭ ‬ملامح‭ ‬هوية‭ ‬خاصة‭ ‬لها‭. ‬فمن‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬تاريخ‭ ‬هذا‭ ‬المجموعة‭ ‬البشرية‭ ‬التي‭ ‬يطلق‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬شعب‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬شيدته‭ ‬من‭ ‬دويلات‭ ‬ودول‭ ‬وامبراطوريات‭ ‬سومرية‭ ‬وبابلية‭ ‬وآشورية،‭ ‬وما‭ ‬خلفته‭ ‬من‭ ‬شرائع‭ ‬وانظمة‭ ‬حكم‭ ‬وعمل‭ ‬في‭ ‬الري‭ ‬والزراعة‭ ‬وبناء‭ ‬العمارة‭ ‬والفنون‭ ‬المختلفة،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬له‭ ‬ان‭ ‬يفهم‭ ‬من‭ ‬دور‭ ‬لهذا‭ ‬الشعب‭.‬كما‭ ‬أن‭ ‬دار‭ ‬السلام‭ ‬والعلوم‭ ‬التي‭ ‬شيدها‭ ‬المنصور‭ ‬وبغداد‭ ‬الرشيد‭ ‬والمأمون‭ ‬لتصبح‭ ‬قبلة‭ ‬الدنيا‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬مئات‭ ‬السنين‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لايام‭ ‬النحس‭ ‬ان‭ ‬تمحيها‭ ‬من‭ ‬ذاكرة‭ ‬التاريخ‭ ‬والسنين‭.‬ان‭ ‬العارفين‭ ‬بتاريخ‭ ‬بابل‭ ‬وبغداد‭ ‬والموصل‭ ‬الحدباء‭ ‬يدركون‭ ‬ان‭ ‬أيام‭ ‬ضعفها‭ ‬ليست‭ ‬سوى‭ ‬سحب‭ ‬عابرة‭ ‬مهما‭ ‬طال‭ ‬بها‭ ‬الزمن،‭ ‬حيث‭ ‬عاشتها‭ ‬مرات‭ ‬كثيرة‭ ‬حينما‭ ‬تعبث‭ ‬بها‭ ‬أيام‭ ‬النكد‭ ‬ضعفاً‭ ‬وتقهقراً‭.‬ان‭ ‬تاريخ‭ ‬الشعوب‭ ‬والأمم‭ ‬لا‭ ‬يحسب‭ ‬بالأيام‭ ‬وعدد‭ ‬من‭ ‬السنوات،‭ ‬بل‭ ‬بعشرات‭ ‬ومئات‭ ‬الأعوام‭. ‬من‭ ‬هنا‭ ‬فان‭ ‬ما‭ ‬يمر‭ ‬به‭ ‬شعب‭ ‬العراق‭ ‬من‭ ‬غيبة‭ ‬عن‭ ‬مسرح‭ ‬الحضور‭ ‬الإنساني‭ ‬وتراجع‭ ‬عن‭ ‬دوره‭ ‬بين‭ ‬الأمم،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬في‭ ‬عشرات‭ ‬السنين‭ ‬الاخيرة،‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬له‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬يدوم‭.‬عندما‭ ‬تزور‭ ‬العراق‭ ‬اليوم‭ ‬يصيبك‭ ‬العجب‭ ‬العجاب‭! ‬في‭ ‬تخلفه‭ ‬وظلمه‭ ‬وفساده‭ ‬ولا‭ ‬غيرته‭ ‬الوطنية‭!‬الجميع‭ ‬سارق‭ ‬والجميع‭ ‬مسروق،‭ ‬الجميع‭ ‬قاتل‭ ‬والجميع‭ ‬مقتول،‭ ‬الجميع‭ ‬ظالم‭ ‬والجميع‭ ‬مظلوم‭!‬لا‭ ‬تتعجب‭ ‬من‭ ‬شعب‭ ‬انهكته‭ ‬رحلة‭ ‬سراب‭ ‬لا‭ ‬بوصلة‭ ‬لها،‭ ‬ومن‭ ‬شعب‭ ‬هانت‭ ‬عليه‭ ‬كرامة‭ ‬الهوية‭ ‬وغيرة‭ ‬الحسب‭ ‬والنسب‭ ‬للتاريخ‭ ‬وعالم‭ ‬الإنسان‭. ‬لا‭ ‬تتعجب‭ ‬من‭ ‬شعب‭ ‬غلبته‭ ‬الغفلة‭ ‬وأعمت‭ ‬بصيرته‭ ‬ضائقة‭ ‬الجوع‭ ‬والحرمان،‭ ‬فباتت‭ ‬تقوده‭ ‬غرائز‭ ‬الثأر‭ ‬الأعمى‭ ‬وحبائل‭ ‬الأعداء‭ ‬الأشرار‭.‬يحتاج‭ ‬لكي‭ ‬ينهض‭ ‬العراق‭ ‬إلى‭ ‬عودة‭ ‬الوعي‭ ‬وشعلة‭ ‬الشجاعة‭ ‬واستغفار‭ ‬بونس‭ ‬واستعداد‭ ‬ابراهيم‭ ‬للتضحية‭ ‬وايمان‭ ‬نوح‭ ‬بربه‭ ‬في‭ ‬عصيان‭ ‬ولده‭. ‬يحتاج‭ ‬العراق‭ ‬الى‭ ‬الخجل‭ ‬من‭ ‬ماضيه،‭ ‬والتبصر‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬حاضره،‭ ‬والحرص‭ ‬المسؤول‭ ‬على‭ ‬مستقبل‭ ‬ابنائه‭.‬نحتاج‭ ‬الى‭ ‬تربية‭ ‬للكرامة،‭ ‬والى‭ ‬تعليم‭ ‬منتج،‭ ‬والى‭ ‬صحة‭ ‬تبني‭ ‬انساناً‭ ‬قوياً،‭ ‬والى‭ ‬سياسة‭ ‬تعدل،‭ ‬وقضاء‭ ‬نزيه‭ ‬يحكم،‭ ‬والى‭ ‬عقول‭ ‬تفكر‭ ‬وسواعد‭ ‬تبني،‭ ‬وسيقان‭ ‬تسابق‭ ‬الزمن‭. ‬نحتاج‭ ‬الى‭ ‬غني‭ ‬يحس‭ ‬بألم‭ ‬أخيه‭ ‬الفقير،‭ ‬وبفقير‭ ‬يسعى‭ ‬الى‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬غنياً‭ ‬عفيف‭ ‬النفس‭. ‬نحتاج‭ ‬الى‭ ‬من‭ ‬اذا‭ ‬اضطر‭ ‬ان‭ ‬يفدي‭ ‬اخاه‭ ‬ووطنه‭ ‬بحياته،‭ ‬يلقى‭ ‬ربه‭ ‬راضياً‭ ‬مرضياً‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى