تقارير وتحقيقات

مختبر ووهان وكورونا.. المتهم البريء

انتشر فيروس كورونا كالنار في الهشيم، ومعه تفشت حمى الاتهامات والتكهنات والشائعات حول أصل الوباء الفتاك الذي حصد آلاف الأرواح في أرجاء عديدة بالمعمورة.

ومن ثنايا ذلك الإطار الثلاثي، برز اسم معهد علم الفيروسات بمدينة ووهان الصينية، بؤرة تفشي الوباء العالمي، الذي كان محور الحرب الكلامية بين واشنطن وبكين خلال الأيام الماضية.

وجود معهد علم الفيروسات على مسافة كيلومترات قليلة من السوق يثير منذ بضعة أشهر تكهنات حول تسرب الفيروس من هذه المنشآت الحساسة.

وهو ما فتح شهية وسائل إعلام كثيرة أبرزها أمريكية، تناوبت على سرد قصة أصل الوباء من وجهة نظرها ومصادر أغلبها مجهولة.

صحيفة “واشنطن بوست” وشبكة “فوكس نيوز” نقلتا معلومات عن مصادر، لم تكشفا عن هويتها، عبّرت عن قلقها من احتمال حصول تسرب عرضي للفيروس.

وبحسب فوكس نيوز، فإن “المريض الأول” الذي كان وراء انتشار الوباء قد يكون موظفا في المعهد أصيب به ونقله لاحقا إلى أماكن أخرى في ووهان.

وردا على سؤال عن هذه الفرضية، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه يسمع “بشكل متزايد هذه الرواية”، مضيفا أنها حاليا “وضع درس معمق جدا” من قبل واشنطن.

وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو صرح هو الآخر، في مقابلة الجمعة، بأنه حين بدأ الوباء بالانتشار في الصين “تساءلت السلطات المحلية عما إذا كان معهد علم الأوبئة هو مصدره”.

وأضاف: “نعلم أنهم لم يسمحوا للعلماء من العالم أجمع بالتوجه إلى هذا المختبر لكي يعرفوا ما حصل هناك”.

سيل من الاتهامات لم يقف أمامها معهد ووهان متفرجا، ليضع أخيرا حدا لما يشاع حول حقيقة أصل الوباء.

وهو ما جاء على لسان مديره يوان زيمينغ، الذي نفى أي مسؤولية عن انتشار الوباء، وقال: “من المستحيل أن يكون هذا الفيروس صادرا عنا”.

وأضاف: “نعرف تماما أي نوع من الأبحاث تُجرى في المعهد وكيف يتم التعامل مع الفيروسات والعينات”.

وفي معرض تأكيده، تابع حديثه: “لا يمكن للناس إلا أن يقيموا رابطا”، منتقدا وسائل الإعلام التي “تحاول عمدا خداع الناس” بتوجيه اتهامات “مبنية على مجرد تكهنات” بدون “أدلة”.

ويعتقد معظم العلماء أن فيروس كورونا الجديد انتقل على الأرجح من حيوان إلى الإنسان، وأشير بالاتهام في هذا الصدد إلى سوق في مدينة ووهان يبيع الحيوانات البرية الحية بهدف استهلاكها.

وقبل ذلك أعلن معهد ووهان تلقيه، اعتبارا من 30 ديسمبر/كانون الأول الماضي، عينات من الفيروس الذي كان غير معروف وينتشر في المدينة الواقعة وسط الصين (ثم تم التعريف به لاحقا بأنه سارس-كوف-2).

وقال إنه فكك تسلسل جينات الفيروس في الثاني من الشهر التالي، ثم نقل هذه المعلومات إلى منظمة الصحة العالمية، وهو ما أشارت له الأخيرة لاحقا.

ومرارا، رفض المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو ليجيان، الاتهامات الأمريكية التي تستهدف المعهد.

يعتقد العديد من الباحثين أن فيروس كورونا المستجد مصدره بدون شك الخفافيش، لكنهم يعتقدون أنه نقل عبر وسيط آخر قبل أن يصل إلى الإنسان.

وأكد علماء صينيون أن هذا الحيوان الوسيط هو آكل النمل “الحرشفي” وهو حيوان ثديي صغير مهدد بالانقراض لأنه مستغل بسبب قشور جلده.

في المقابل، نشرت دراسات أجراها باحثون صينيون آخرون في مجلات علمية معروفة مفادها أن المريض الأول بفيروس كورونا المستجد لم يزر سوق ووهان للحيوانات البرية.

وقالت فيليبا لينتزوس، الباحثة في شؤون السلامة الإحيائية في كينغز كوليدج في لندن، إن “مصدر الوباء لا يزال سؤالا عالقا”.

وأضافت أن لا شيء يرجح فرضية تسرب الفيروس من مختبر “وليس هناك من دليل حقيقي” على أن فيروس كورونا المستجد مصدره بالفعل سوق ووهان للحيوانات البرية.

وبعيدا عما تركه الفيروس من تربة خصبة للتكهنات والاتهامات، تتوجه الأنظار إلى المختبر الصيني، تماما مثلما توجهت مع بدايته إلى المدينة التي تحتضنه.

صحيفة “واشنطن بوست” كانت قد ذكرت أن سفارة الولايات المتحدة في بكين وبعد عدة زيارات إلى المعهد، نبهت السلطات الأمريكية عام 2018 إلى إجراءات السلامة غير الكافية كما يبدو في مختبر يجري دراسات على فيروسات كورونا الناجمة عن الخفافيش.

ويقع معهد علم الفيروسات الذي أنشئ بمساعدة فرنسية، على تلة في ووهان، ويحظى بحماية مشددة.

فيه أيضا سلالات أخطر الفيروسات المعروفة مثل إيبولا، وهو مختبر بي-4 للسلامة البيولوجية من المستوى الرابع.

ويتيح المختبر إجراء أبحاث شديدة الدقة بهدف الاستجابة السريعة في حال ظهور أمراض معدية.

وبلغت كلفة إنشاء المعهد نحو 40 مليون يورو وقد مولته الصين، بمساعدة فرنسية.

ويعمل الباحثون بالمعهد وسط عزلة تامة، وهناك على الأقل نحو 30 مختبرا من نوع بي-4 في العالم نصفها في الولايات المتحدة.

ويملك معهد علم الأوبئة في ووهان أكبر مجموعة من سلالات الفيروسات في آسيا مع 1500 عينة مختلفة، بحسب موقعه على الإنترنت.

ورغم أن الصحافة الأمريكية تتحدث باستمرار عن بي-4، فإن الدراسات الأقل خطورة مثل تلك المتعلقة بفيروس كورونا المستجد تجري عادة في مختبرات بي-3 وهو نوع مختبر يملكه المعهد أيضا.

متابعة / الأولى نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى