مقالات

مشروع قانون المحكمة الاتحادية العليا: تشخيص وحل

باسل حسين

أثارت مسودة مشروع قانون المحكمة الاتحادية العيا المعروضة في مجلس النواب جدلا بدأ يتصاعد على صعد مختلفة؛ نظرا للادراك المتزايد باهميتها النسببية في النظام السياسي وبوصفها احدى اهم المفاصل الرئيسة في السلطة القضائية، فضلا عن امتداد تأثيرها على الحياة السياسبة العراقية وانماطها المختلفة، لاسيما وان اغلب القضايا التي تطرح للتقاضي او الاستفسار وغيرها من المهام المحددة تتعلق بالسياسة، بمعنى انها هيئة قضائية لكنها تتعامل في الغالب مع قضايا سياسية. وهذه المقالة لا تستهدف فقط كشف الاخطاء في هذه المسودة او المعضلات والاشكالات التي تنتج عن اقرارها بصورتها الحالية بل وضع الحلول لها وعلى النحو الاتي:

1) هناك محاولة من أجل الإسراع في إقرار قانون المحكمة الاتحادية من قبل بعض القوى السياسية من دون إدراك بخطورة إقرار هذا القانون والاشكالات التي ترافق اصداره وفقا لصيغة المشروع الحالية. الحل: التأني في إصدار القانون واخضاعه لمزيد من الدراسة المتخصصة لتجاوز الهفوات الكبيرة والأخطاء الجسيمة التي تعتريه. 2) يذهب المشروع الحالي إلى ضم خبراء الفقه الإسلامي إلى منصة المحكمة وعددهم أربعة بين 13 عضوا ( سبعة قضاة ، وأربعة فقهاء، واثنان من خبراء القانون). مع إعطاء حق الفيتو لخبراء الفقه الإسلامي في تعطيل اي قرار للمحكمة في القضايا التي تتعلق بالشريعة الإسلامية من خلال النص على اشتراط موافقة ثلاثة ارباع خبراء الفقه ( 3 من 4). وهذا يثير عدة إشكالات لعل من اهمها: اولا: أن هذا الاقتراح يخالف نص المادة ( 92) “اولا”التي تعرف المحكمة الاتحادية بانها (( هيئة قضائية)) ، وكما نعلم بداهة أن لاهيئة قضائية من دون قضاة ، وأيضا أن لا اجتهاد في موضع نص، بما يلزم وجوبا وفقا للنص الدستوري بأن يكون جميع من في منصة المحكمة هم من القضاة لاغير . ثانيا : إن هذا النص يخالف مبدأ المساواة بين المواطنين كما نصت عليه المادة (14) من الدستور التي تنص على الاتي: (لعراقيون متساوون أمام القانون دون تمييزٍ بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الاقتصادي أو الاجتماعي). والنص على وجود خبراء من الفقه الاسلامي (شيعة وسنة) ضمن منصة المحكمة من دون الاديان الاخرى يقع ضمن باب التميز على اساس ديني ومذهبي بما يخالف نص المادة (14) من الدستور، لأن المحكمة الاتحادية هي لكل العراقيين على مختلف مشاربهم وتنوعاتهم وليست فقط حكرا على ( الشيعة والسنة) ، فضلا عن ان هذا النص يخالف القوانين الدولية والشرعة الدولية لحقوق الانسان. ثالثا: هناك فرق بين منصة المحكمة ( وهؤلاء فقط من القضاة) وبين تكوين المحكمة ((الذي يشمل اولا منصة المحكمة وثانيا المستشارون، والموظفون )) وعليه فقد حددت المادة ( 92) اولا : منصة المحكمة حين اشارت الى انها هيئة من القضاة، اما ما تطرقت اليه المادة (92) ثانيا فهي اشارت الى تفصيلات تكوين المحكمة، وذلك حين ابتدأت بعبارة (تتكون المحكمة) وعليه فان وجود خبراء الفقه الاسلامي وفقهاء القانون هو ضمن فريق المستشارين وليس ضمن منصة الحكم وجوبا وحكما. رابعا: أن القاضي هو خبير الخبراء، إذ ان مجال عمله يعطيه حق أو سلطة الاخذ برأي الخبير كاحد اسباب الحكم مثلما يعطيه حق أو سلط اهادر هذا الرأي وتجاهله. وبالتالي لا يمكن ان يكون الخبير ندا للقاضي او أن ياخذ وظيفة القاضي. خامسا: أن منح حق الفيتو لخبراء الفقه الاسلامي ( موافقة 3 من اصل اربعة) على قرارات المحكمة بحجة مخالفتها للشريعة الاسلامية سوف يعطي سلطة تقديرية مستقبلية وهيمنة من قبل خبراء الفقه الاسلامي على جميع او معظم قرارات المحكمة من خلال الادعاء بانها قضايا تمس الشريعة الاسلامية. الحل:عادة صياغة النص بما يفضي الى ان تكون منصة المحكمة مقتصرة على القضاة حصرا لكونها “هيئة قضائية” عملا والتزاما باحكما المادة (92) من الدستور اولا التي اشارت الى ان المحكمة الاتحادية هيئة قضائية، فيما يتم اضافة خبراء الفقه الاسلامي وفقهاء القانون الى مفوضية المستشارين الذين يقدمون الرأي والمشورة في مجال اختصاصهم من دون ان يمتلكوا حق التصويت لانهم خارج منصة المحكمة. ويمكن تلخيصها وفق المعادلة الاتية منصة المحكمة = قضاة فقط…. التزاما باحكام المادة (92) اولا. تكوين المحكمة = قضاة + خبراء + مستشارين + موظفين الخ 4) من حيث الاختيار والتصويت: أولا:اعطت مسودة المشروع الحق لمجلس النواب في التصويت على اعضاء المحكمة الاتحادية، وفي هذا مخالفة لنص الدستور الذي لم يعطيه هذا الحق وانما كان واضحا في تحديد الاختصاصات، إذ نصت المادة (61 / خامسا/أ) على الموافقة على تعيين كلٍ من: ((رئيس وأعضاء محكمة التمييز الاتحادية، ورئيس الادعاء العام، ورئيس هيئة الإشراف القضائي، بالأغلبية المطلقة، بناءً على اقتراحٍ من مجلس القضاء الأعلى)). وبالتالي لايمكن التوسع بالاستثناء ومنح الحق لمجلس النواب بالتصويت على اعضاء المحمة الاتحادية، وما يتم تبنيه على خلاف القياس لايقاس عليه، كما انه خارج حدود صلاحيات مجلس النواب، وللمحكمة الاتحادية قرار بهذا الشأن في عام2015 يشير انه لا يمكن لمجلس النواب الامتداد خارج وظيفته واختصاصاته المقررة طبقا للدستور. ثانيا: ضمن المقترحات تشكيل لجنة عليا مكونة من رئيس الحكومة ونائبيه ورئيس البرلمان ونائبيه ورئيس الجمهورية ونائبيه لتسمية أو اختيار وترشيح أعضاء المحكمة. وهذا يعني أعطاء سلطة واسعة للسلطة التنفيذية والتشريعية على حساب السلطة القضائية، وجعل الاخيرة تابعة للاجندات السياسية ويخضع سلطة القضاء والقضاة للمساومات السياسية. الحل : أن تجتمع السلطة القضائية بجميع اجهزتها الرئيسة وتختار عن طريق الانتخاب أو التزكية او اي طريقة يتم الاتفاق عليها داخل السلطة القضائية اعضاء المحكمة العليا الاتحادية، مع ثلاثة اعضاء احتياط، ثم ترفع الى رئيس الجمهورية مباشرة من دون المرور بمجلس النواب لغرض اصدار مرسوم جمهوري. وتكون المدة مدى الحياة، وفي حالة شغور احد المقاعد للوفاة، يتم اختيار احد الاعضاء الاحتياط. وهذه الطريقة سوف تضمن استقلال القضاء والقضاة وتحفظ مبدأ الفصل ما بين السلطات وتبعد اعضاء المحكمة من الابتزاز أو الضغط السياسي. 5) من يلاحظ مسودة المشروع بتمعن وبنظرة الفاحص يجد ان آلية التصويت تعتمد على الفيتو، وهذا يعني في واقعه فيتو كردي ووفيتو شيعي وفيتو سني، فضلا عن وجود فيتو اسلامي شيعي وفيتو اسلامي سني، ومن حيث الواقع فان ذلك يعني تعطل عمل المحكمة تماما، ولن تكون المحكمة قادرة على اصدار اي رأي أو تفسير او فتوى او قرار، لأن أيا من ذلك سيعد انه موجها ضد احد المكونات وبالتالي ستكون ولادة ميتة من حيث الواقع، لاسيما وان ترشيح القضاة طبقا للمسودة خاضع للتقسيم المكوناتي السياسي. هذه الاشكالية يبدو انها غابت عن من قدم المقترح او من يناقشه. الحل:التفكير بآلية من التصويت تمنع هذا العطب من جهة، ومن جهة اخرى ستكون الالية مرتبطة بطريقة اختيار اعضاء المحكمة وهو جزء من حل شامل. 6) يرسخ مشروع المحكمة الاتحادية العليا ثلاثية ( trilogy ) او ديكتاتورية ( الشيعة السنة الاكراد) ويهمل بقية المكونات والاقليات الاخرى وكانه لا يراهم او انهم ليسوا بمواطنين ولا يمتلكون نفس الحقوق التي اقرها الدستور، فيما وضع نصا غريبا من خلال القول النص حفظ التوازن الدستوري ( شيعة سنة اكراد) الذي لا وجود له دستوريا الا في المادة ( 9) ويخص التوازن في القوات المسحلة والامنية. وبالتالي فهذه المسودة تنم عن تمايز قومي وديني ومذهبي، بما يفصح عن عنصرية وشوفينية هذه المسودة ومخالفتها للدستور العراقي والشرعة الدولية لحقوق الانسان. الحل: لمعالجة هذا الخلل ينبغي اختيار منهجيتين: الاولى: اذا تم اختيار اعضاء المحكمة والية التصويت فيها على الاساس المكوناتي السياسي، فينبغي اعطاء بقية المكونات هذا الحق نفسه وعلى قدر المساواة عملا بنص الدستور العراقي المادة (14) والمادة (16). الثانية : ان يتم اختيار اعضاء المحكمة على اساس مبدا المواطنة والكفاءة وان لا يعطي للتصويت اي فيتو لاي مكون او فئة او دين او مذهب او قومية او اي تمييز آخر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى