مقالات

من جنس العاصفة ذاتها

فاتح عبدالسلام

العاصفة‭ ‬الترابية‭ ‬السياسية‭ ‬هبّت‭ ‬على‭ ‬العراق،‭ ‬ولا‭ ‬يوجد‭ ‬حزام‭ ‬اخضر‭ ‬آمن‭ ‬لحماية‭ ‬جميع‭ ‬الكيانات‭ ‬والشخصيات‭ ‬والمناصب‭ ‬والمسميات‭ ‬منها‭.‬جاء‭ ‬اقتران‭ ‬الحدث‭ ‬السياسي‭ ‬الأبرز‭ ‬في‭ ‬انسحاب‭ ‬التيار‭ ‬الصدري‭ ‬من‭ ‬العملية‭ ‬السياسية‭ ‬بموجات‭ ‬من‭ ‬الغبار‭ ‬الثقيل‭ ‬أغلقت‭ ‬المطار‭ ‬وأدخلت‭ ‬ذوي‭ ‬الرئات‭ ‬الضعيفة‭ ‬الى‭ ‬المستشفيات‭ ‬وعطّلت‭ ‬السفر‭ ‬على‭ ‬الطرقات‭ ‬وبين‭ ‬المدن‭ ‬المتباعدة‭ ‬وأعادت‭ ‬الى‭ ‬الاذهان‭ ‬قلّة‭ ‬التجهيزات‭ ‬الرسمية‭ ‬لمواجهة‭ ‬الانواء‭ ‬الطارئة‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬انشغل‭ ‬بشؤون‭ ‬ثانوية‭ ‬او‭ ‬رئيسية‭ ‬لكنها‭ ‬كلها‭ ‬من‭ ‬صنع‭ ‬ايدي‭ ‬سياسيين‭ ‬قصار‭ ‬النظر‭ ‬ظنّوا‭ ‬انّ‭ ‬إدارة‭ ‬العراق‭ ‬تشبه‭ ‬آخر‭ ‬جلسة‭ ‬مضطربة‭ ‬للمعارضة‭ ‬العراقية‭ ‬مع‭ ‬زلماي‭ ‬خليل‭ ‬زاد‭ ‬المبعوث‭ ‬الأمريكي‭ ‬لملف‭ ‬العراق،‭ ‬في‭ ‬احدى‭ ‬قاعات‭ ‬فندق‭ ‬هيلتون‭ ‬وسط‭ ‬لندن،‭ ‬تمهيداً‭ ‬لحرب‭ ‬احتلال‭ ‬العراق‭ ‬وتسليم‭ ‬الحكم‭ ‬الى‭ ‬الأقطاب‭ ‬المتداولين‭ ‬الساعة‭.‬وضع‭ ‬العراق‭ ‬مع‭ ‬العاصفة‭ ‬الترابية‭ ‬يشبه‭ ‬وضعه‭ ‬السياسي،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬مصدات‭ ‬للرياح‭ ‬إذا‭ ‬عصفت،‭ ‬ولا‭ ‬سقوف‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬ارعدت‭ ‬وأمطرت‭. ‬كما‭ ‬انّ‭ ‬الطرقات‭ ‬بين‭ ‬القوى‭ ‬السياسية‭ ‬تبدو‭ ‬مقطّعة،‭ ‬والمواصلات‭ ‬السياسية‭ ‬مثل‭ ‬الطرق‭ ‬الخارجية‭ ‬وقت‭ ‬العاصفة‭ ‬الترابية‭. ‬وانّ‭ ‬محاولات‭ ‬ادامة‭ ‬الصلة‭ ‬تبدو‭ ‬مغامرة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬وجود‭ ‬طرف‭ ‬جريح‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬ينزف،‭ ‬سارعوا‭ ‬الى‭ ‬استيراثه‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تلتئم‭ ‬جراحه‭.‬العملية‭ ‬السياسية‭ ‬غير‭ ‬مصممة‭ ‬لصد‭ ‬العواصف،‭ ‬وفي‭ ‬أحسن‭ ‬الحالات‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬المصدّات‭ ‬الخارجية،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬انّ‭ ‬الشعب‭ ‬لا‭ ‬يمثل‭ ‬ضمانة‭ ‬لأحد‭ ‬بعد‭ ‬تكرار‭ ‬تجارب‭ ‬الفشل‭ ‬وانحدار‭ ‬الأوضاع‭ ‬نحو‭ ‬الحضيض‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬التفاتات‭ ‬صغيرة‭ ‬لامتصاص‭ ‬نقمة‭ ‬هنا‭ ‬أو‭ ‬هناك‭.‬المثير‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬العراقي‭ ‬انّ‭ ‬الخبرات‭ ‬تستعصي‭ ‬أن‭ ‬تمنح‭ ‬نفسها‭ ‬لمن‭ ‬لم‭ ‬يكترث‭ ‬لاكتسابها،‭ ‬قاطعاً‭ ‬عنق‭ ‬الزمن‭ ‬في‭ ‬التسالي‭ ‬والتباهي،‭ ‬والتخاصم،‭ ‬والتلذذ‭ ‬بالمغانم‭ ‬،والمكاسب‭.‬اليوم‭ ‬يتجلّى‭ ‬معنى‭ ‬الكلام‭ ‬عن‭ ‬هشاشة‭ ‬العملية‭ ‬السياسية‭ ‬وتفاهة‭ ‬التخريجات‭ ‬والتبريرات‭ ‬التي‭ ‬ظنَّ‭ ‬السياسيون‭ ‬انهم‭ ‬خدعوا‭ ‬الشعب‭ ‬بها،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬مغلوباً‭ ‬على‭ ‬أمره‭ ‬تحت‭ ‬الاحتلال‭ ‬الأمريكي‭ ‬سنوات،‭ ‬وفي‭ ‬جيب‭ ‬النفوذ‭ ‬الإقليمي‭ ‬سنوات،‭ ‬وبيد‭ ‬تنظيم‭ ‬داعش‭ ‬سنوات‭.‬الفشل‭ ‬السياسي‭ ‬يورث‭ ‬هذه‭ ‬الازمة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬معظم‭ ‬السُذج‭ ‬وهم‭ ‬زعامات‭ ‬سياسية‭ ‬في‭ ‬الغالب،‭ ‬يسيرون‭ ‬عكس‭ ‬اتجاه‭ ‬السير‭ ‬موهومين‭ ‬بأنّ‭ ‬الأمور‭ ‬تجري‭ ‬لصالحهم،‭ ‬وهي‭ ‬تجري‭ ‬بهم‭ ‬الى‭ ‬حيث‭ ‬باب‭ ‬المجهول‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يفتح‭ ‬في‭ ‬أية‭ ‬لحظة‭ ‬وبأبسط‭ ‬طرقة‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى