مقالات

مَن يتفاوض مع الأمريكان؟ وعلى ماذا؟

د. فاتح عبدالسلام

لاتوجد تركيبة سياسية في اي بلد بالعالم خرجت من عمق طبخة احتلال الامريكان لبلدهم كما حصل في العراق. حتى الذين نراهم اليوم يحملون على الجانب الامريكي انما كانوا لصيقين بالتركيبة السياسية التي انتجها اجرائياً وليس تكوينياً الحاكم الامريكي سيء الصيت بول بريمر ووضعها على سكة الحكم .

تأسيساً على تلك العلاقة الوثيقة التي نراجعها الان في آلاف الصور والفيديوهات والتصريحات والاجتماعات التي تجمع بين الطبقة السياسية في العراق والجنرالات المحتلين لبلادهم بعد العام ٢٠٠٣، يمكن ان نستنتج ان هؤلاء السياسيين فشلوا في اكتساب الخبرة من تلك المعاشرة، ولم يفيدوا في استخدامها لاحقاً لإعادة العراق الى وضع سليم بين دول المنطقة من دون تلك الالتواءات في اللعب بالملفات الاقليمية بحثاً عن مصالح صغيرة انتهت الى لاشيء .

أول خطأ استراتيجي ، هو في توقيع اتفاقية انسحاب القوات الامريكية بعد العام ٢٠١٠ من دون أن يدرك السياسي الموضوع في منصبه ببغداد ما الخطوة التالية، وماذا يجب أن يدفع الامريكان من استحقاقات لا يمكن للشعب العراقي أن يتنازل عنها لقاء احتلال بلدهم وتمزيقه بغض النظر عن المقولات والاغراض السياسية التي كانت ذات يوم شعاراً للتعبئة ولم يعد لها أي ذكر بعد ثمانية عشر عاماً، بلغ فيها الطفل الرضيع يوم احتلوا بغداد عنفوان شبابه اليوم ، ليجد نفسه في واقع ماكث تحت خط الفقر ، حتى في اغنى بقاع العراق بالثروة النفطية ، في البصرة التي نسبة الواقعين تحت خط الفقر اكثر من اربعين في المائة. ما هو الافق الذي يمكن ان تلتقطه عينا هذا الشاب العراقي الذي ليس له ماض سياسي او معرفي ماقبل العام ٢٠٠٣.

المفاوضات الخاصة بقضية الانسحاب الامريكي من العراق ليست منتهى الاهداف ، ذلك أنّ واشنطن نفسها، ومن دون ضغوط، تميل في هذا الجزء الزمني من استراتيجيتها في الشرق الاوسط الى أن تخفف عدد جنودها.

حتى لا تتكرر أخطاء المباحثات السابقة مع الامريكان ، لابد من رؤية عميقة يشترك فيها مفكرون وأصحاب رأي ومشورة وتجربة، وليس مجرد طاقم حكومي تحت ضغط سياسي مهلهل، قد لا يرى أبعد من خطوات اجرائية آنية ليس لها أفق مستقبلي ، لبلد غرق من ظلمات الماضي، وليس له حاضر واضح ، والمستقبل أمامه ظلمات أكبر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى