مقالات

هذه أبرز سمات المجتمع العراقي ؟

هذه أبرز سمات المجتمع العراقي ؟ – منقذ داغر

حين بدأ هذا المشروع كانت هناك جملة من الأسئلة العلمية التي تدور في الذهن والمتأتية من الدراسات السابقة أولاً وما يدور من نقاش في المجالين العام والمتخصص بخصوص ثقافة العراق وكذلك ما أصطُلح على تسميته )بالشخصية العراقية( ثانياً. هل أن الثقافة الاجتماعية في العراق صلبة أم رخوة؟ ماهي أسباب التصلب أو الرخاوة في ضوء الواقع الثقافي الاجتماعي العراقي عبر التاريخ؟ هل هناك ثقافة عراقية موحدة أم يتباين العراقيون في ثقافتهم الاجتماعية؟ ما الذي يمكن أن يجعل ثقافة العراقيين متباينة أو متشابهة؟ والسؤال الأهم، هل يمكن تغيير أو تعديل الثقافة الاجتماعية للعراق؟ أن الإجابة عن كل هذه الاسئلة يتطلب أولاً معرفة نتائج قياس طريقة تفكير العراقيين تجاه متغيرات ثقافة(صر)بسبب القرب من الثقافة الاجتماعية العراقية من جهة، والمعرفة المتوافرة عن صفات المجتمعات الصلبة من ناحية أخرى فقد كان متوقعاً أن تسفر نتائج القياس عن ضم الثقافة الاجتماعية العراقية الى حظيرة الثقافات الصلبة. لكن ما أسفرت عنه النتائج فاق مستوى التوقعات بكثير ،أذ أوضحت الأرقام أن العراق يعاني من حالة فرط تصلب ثقافي Hyper Tight Culture أكثر من اي بلد من بلدان العالم الست واربعون التي تم قياسها للآن بنفس المقياس النفسي. في ضوء ذلك فان الثقافة الاجتماعية العراقية تمتاز بكونها قلقة، متوترة وحذرة ومتحفظة وترتكز الى فلسفة دفع المفاسد بدلا من فلسفة قبول المجازفة والتغيير لجلب المنافع. أن تأثير القلق الأمني واضح في هذه السمات الثقافية للمجتمع العراقي. وعلى الرغم من وجود تباين واضح بين محافظات العراق في درجة تصلبها الثقافي الاجتماعي الا انها عموماً(عدا أربيل) تعاني من فرط التصلب الذي له انعكاسات سلبية على كل المستويات: الفردية والجماعية والمجتمع ككل. أن القول بوجود(ما تعارف عليه كثير من العراقيين) شخصية عراقية واحدة هو قول لا تدعمه النتائج التي أسفرت عنها هذه الدراسة الميدانية التي لم تسبقها أي دراسة مشابهة في منهجيتها ومطلقاتها سواء في العراق أو في العالم.صحيح أن التباين في النتائج بين ثقافة العراقيين الاجتماعية سواء بسبب الجغرافيا التي يسكنونها أو بسبب الاختلافات الشخصية(الجنس والعمر والحالة الزوجية والانتماء الأثني والطائفي)،يجعل من غير الدقيق القول أن العراقيين يتشابهون في ثقافتهم الاجتماعية، لكن الصحيح أيضاً القول أن هناك قاسم مشترك أعظم لشخصية الثقافة الاجتماعية للعراقيين. أن ما تشير له نتائج القياس للثقافة الاجتماعية في العراق تعني أننا أزاء عدد من المشاكل التي تبدو واضحة في حياتنا اليومية في ثلاث مستويات رئيسة هي الفرد، والجماعة، والمجتمع ككل.

فعلى مستوى الفرد يؤدي فرط التصلب(العصبية)ألى مسح أو تقزيم فردانية شخصية العراقي ويجعلها خاضعة تماماً للمجتمع و/أو الجماعات التي ينتمي لها.هنا تبرز المشاكل السلوكية الكثيرة الناجمة عن تناقض الرغبات والحاجات الفردية مع الجماعية. أن الأفراط في تجاهل فردانية الأنسان يؤدي الى قتل الأبداع والرأي الشخصي ويؤدي لسيادة ما يسمى بعقلية القطيعherd mentality . لذا يهتم العراقيون كثيراً بآراء الآخرين عنهم حتى وأن كانوا مقتنعين بأنها غير صحيحة. وكم يخشى العراقي من ابداء رأيه حين لا يكون متفقاً مع رأي الجماعة حتى وأن كان رأي الجماعة يبدو له غير معقول أو غير مقبول.معايير الجماعةأما على مستوى الجماعة التي ينتمي لها الفرد فأن فرط التصلب والتعصب الزائد لمعايير الجماعة يمكن ان يخلق مشاكل كثيرة بين الجماعات. معروف أن كل جماعة تعتقد أنها هي وثقافتها الأفضل. وكما يقول هيرودوتس(أبو التاريخ) بعد أن طاف العالم فأنك لو سألت كل جماعة عن أفضل ثقافة يتبنونها فأنهم سيجيبوك :ثقافتنا! وعلى مستوى المجتمع ككل فهناك أيضاً أكثر من مشكلة تواجه العراقيين بسبب فرط التصلب الثقافي(العصبية).بشكل عام فان المجتمعات الصلبة تعاني من أنخفاض الاهتمام بالأبداع وبالفنون والآداب، فما بالك بدولة فرط صلبة!لقد أختفت دور السينما والمسارح تقريباً من حياة العراقيين،وبات الفن مثلا ينظر له نظرة دونية! وبات الهم الأمني والقلق الوجودي يشغل المجتمع عن الاستمتاع بالفنون والآداب. وحتى عند الأحتفال والفرح فأن صوت البنادق والرصاص أعلى من صوت الموسيقى. حتى كلمات الاغاني العراقية باتت مليئة بمفردات القتال والضرب والعراك والأسلحة والأعتدة. هذا يقودنا الى ثقافة التطرف التي باتت منتشرة في العراق مما أدى لمشاكل كارثية منها العراق لعل أبرزها أرهاب داعش. ان التصلب الشديد يعني أن الجماعة مهمة جداً للفرد الذي تزداد حاجته للانتماء حينما يزداد تصلب الثقافة.اما أهم مشكلة يتسبب فيها فرط التصلب فهي المحافظة على القديم ومقاومة التغيير. أن هناك مقاومة ثقافية اجتماعية واضحة لاي محاولة لترك القديم وغالباً ما تجد في بيوت العراقيين أجهزة وأواني ومستلزمات أنتفت الحاجة لها من عشرات السنين لكن ربة أو رب البيت يصر على الاحتفاظ بها. لذا سوف لن تكون أي عملية أصلاح أو أعادة ضبط لعقارب ساعة الثقافة الاجتماعية العراقية سهلة وستواجه بالكثير من المشاكل ومقاومة التغيير. كل هذه السمات ستتم دراسة أهم مظاهرها في حياتنا اليومية لكن بعد أن نحدد العوامل المختلفة التي جعلت الثقافة الأجتماعية العراقية فرط متصلبة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى