مقالات

هكذا أرى الأمور

هكذا أرى الأمور – جليل وادي

لا جدال في ان الأغلبية السياسية هي المخرج ، اذا ما أُريد للعملية السياسية أن توضع على السكة الصحيحة ، وان المحاصصة وان جُملت بألفاظ التوافق والشراكة الوطنية لن نحصد منها سوى الخراب ، والكل يعرف ذلك ومنذ السنوات الأولى للتغيير السياسي ، وبعد مرارة الاقتتال الأهلي وشيوع الفساد وانعدام الخدمات ما عاد الأمر بخاف على أحد حتى لأبسط الناس .

ان الانقسام الحاصل بين الأطراف السياسية بين مطالب بالأغلبية كما هي حال التيار الصدري ، ومتمسك بالتوافقية كما هي حال الاطار التنسيقي ، يكشف عن تطور مهم ، وان كان متأخرا جدا ، اذ بدأ البعض يتلمس مواضع الخلل في العملية السياسية ، ويُبصر بحدود معينة المسار السليم . ويُفترض بالسياسيين أن يعرفوا ذلك مسبقا ، او على الأكثر بعد انتهاء الدورة البرلمانية الأولى ، فمن غير المعقول مرور عقدين من الزمن حتى نتعلم ، فقد كانت جميع القوى حينذاك مستمتعة بالتوافق وظنّت فيه طريقا آمنة لتجربة ديمقراطية متينة تكفل الحريات وتعزز المواطنة وترتقي بالبلاد ، فصمت الكل بانتظار الثمار ، فاذا بها متعفنة لا تُطاق ، لا يتقبلها نظر ، ولا يستسيغها ذوق ، وغير قابلة للهضم .

ومع ذلك مازالت أطراف عديدة متمسكة بالمحاصصة وتدافع عنها علنا وأخرى بالخفاء ، او بكلمات براقة ومفتوحة على تأويلات شتى ، او بمثابة اشتراطات على الجهة التي يُحتمل أن تشكل الحكومة بعد انسحاب الصدريين . لماذا يتمسكون بالمحاصصة وهم يعرفون انها لن تفضي الى ما يتطلع اليه العراقيون؟ والاجابة بعيدا عن تهمة الفساد ، تتمثل سياسيا في انعدام الثقة بالأطراف الأخرى ، والحقيقة ان الجميع لا يثق بالجميع ، وعندما تنعدم الثقة يصبح الكلام عن الشراكة والتوازن والتوافق حاضرا بذريعة ضمان حقوق المكونات ، والسؤال لماذا انعدمت الثقة بين أطراف يربطها تاريخ طويل من العمل في المعارضة ، وتحالفات استراتيجية بحسب وصفها ؟ ، ربما هناك من يقول :

لا ثقة في السياسة ، وان الأعمال بالأفعال وليس بالنيات ، وبهذه الحال لابد من ضمانات ، وفي العمل السياسي الضامن هو الدستور عندما لا يكون هشا ، والقضاء عندما يكون مستقلا ، والقائمون عليه شجعانا ، بعد تأمين حياتهم وتحصين مهنيتهم ، فهم بشر والمهمة معقدة .

لنتأمل قليلا في المشهد المسدود ، لا يمكن للاطار التنسيقي أن يمضي قدما بحكومته التوافقية ، وان حصلت على ثقة البرلمان بغياب التيار الصدري ، وهذا احتمال بعيد ، فإنها لن تحصل على ثقة الجماهير التي اقتحمت البرلمان في أول ملامحها بترشيح محمد شياع السوداني لرئاسة الحكومة بوصف الشعب مصدر السلطات ، مع ان الاعتراض ليس على شخصية السوداني ، وانما على نهج تشكيل الحكومة ، ولكن هل ستجبر التظاهرات والاقتحامات الاطار التنسيقي على الرضوخ لمطالب الصدريين باعتماد الأغلبية نهجا للعملية السياسية ، واذا لم يرضخ الاطار ، وتواصلت التظاهرات ماذا سيكون الحال ؟ .ومع المعارضة الشعبية للتيار الصدري لن تتشكل حكومة أبدا الا برضى قيادتها ، ولا يمكن لقيادة التيار القبول بحكومة توافقية تخالف ما أعلنته للجماهير وتمسكت به ، ومن أجله استقال جميع نوابها من البرلمان ، ولا قيمة لحكومة توافقية لأنها ستكون امتدادا لسنوات الفشل .

وبالرغم من ان للتيار القدرة لإزاحة الجميع وفرض نفسه بقوة قواعده الجماهيرية وتشكيل حكومة ، ولكن ما تداعيات ذلك محليا واقليميا ودوليا ، ولا أظن ذلك من بين ما تفكر به قيادة التيار حقنا لدماء العراقيين .لقد تكلست مسارات العملية السياسية ولم يعد بمقدورها التقدم الى الأمام أبدا ، ولذلك لابد من العودة الى المربع الأول ، وليس ترحيل الأزمة الى الأمام بالذهاب الى انتخابات مبكرة ، لأنها لن تكون الحل اذا لم تسبقها خطوات ، وأول تلك الخطوات تعديل الدستور وقانون الانتخابات من خبراء متخصصين بعيدا عن الضغوط السياسية ، فما كان للأزمات أن تتلاحق والجمود أن يحصل لولا تفسير المواد الدستورية تحت الضغط السياسي لصالح جهات بعينها على حساب المسار الديمقراطي ، ومثالها : كارثة الكتلة الأكبر .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى