مقالات

هل من سبيل للخروج من الأزمة السياسية العراقية؟


الكاتب كاظم حبيب

الأسئلة العديدة والمشروعة التي تفرض نفسها على أي محلل سياسي يتابع مجري الأحداث في العراق، منها: ما هي طبيعة الأزمة التي يمر بها العراق؟ وما هي إمكانيات وسبل معالجتها؟ لنتحرى جميعاً عن إجابات عن هذه الأسئلة.

إن الأزمة الراهنة في العراق والمتراكمة منذ سنين هي أزمة مركبة ذات ثلاثة أبعاد متلازمة ومتفاعلة أساسها واحد، إنها أزمة نظام سياسي غير ديمقراطي، طائفي وأثني محاصصي تابع، متخلف ورث في آن واحد. إنها أزمة اقتصادية تجد تعبيرها في بنية الاقتصاد الوطني المشوهة الوحيدة الجانب واعتماد الدحل القومي على إيرادات النفط الخام المصدر، كمورد أساسي ورئيسي، وغياب الرؤية الاقتصادية العقلانية في عملية التنمية الغائبة أساساً، وفي توزيع وإعادة توزيع الدخل القومي واستخدامه غير العقلاني لإعادة بناء الاقتصاد الوطني وتأهيله، إضافة إلى غياب كامل للعدالة الاجتماعية في ظل النهب المنظم والمتفاقم للدخل القومي وللنفط الخام والجمارك وتجويع غالبة المجتمع. إنها أزمة اجتماعية متفاقمة بسبب طبيعة بنية المجتمع ومشكلاته الكبيرة وهيمنة فئة اجتماعية طفيلية نهابة ومخاتلة وكذّابة، إذ تستخدم الدين والمرجعيات الشيعية والمؤسسة الدينية لفرض هيمنتها السياسية لمواصلة تعزيز سلطتها وتكريس نفوذها ونهبها للمال العام والخضوع لسيدها الأجنبي. وهناك أزمة رابعة موجعة هي الأزمة البيئية والرثاثة المنتشرة في البلاد نتيجة هيمنة الفئة الطفيلية الرثة على حكم البلاد، والتي كان ولا يزال لها عواقب اجتماعية وصحية هائلة على الفرد والمجتمع، لاسيما على الأحياء الفقيرة وعلى المرضى والعجزة. إذن هي أزمة مركبة ومتراكمة وشاملة تتفاعل فيها عوامل داخلية وإقليمية ودولية لتزيد من حدة التناقضات والصراعات الجارية على الساحة السياسية العراقية. وزاد في الأمر سوءاً جائحة كورونا التي قلصت وستقلص لفترة غير قصيرة إيرادات العراق المالية من النفط الخام لأسباب ترتبط بتوقف نسبة عالية من العمليات الاقتصادية على الصعيد العالمي التي تحتاج إلى الطاقة، ووجود احتياطي كبير من النفط الخام المخزون عالمياً بسبب المنافسة والتزاحم على استخراجيه وتصديره، مما قاد إلى ارتفاع المعروض منه وتراجع الطلب الدولي عليه، مما خفض سعره إلى مستويات غير معهودة من جهة، وعدم كف الطغمة الحاكمة وأحزابها السياسية عن مواصلة نهب ما متوفر من مال والعمل على تهريب العملة الصعبة إلى إيران بطرق شتى من جهة ثانية. إن كل ذلك بدأ بزيادة مصاعب الشعب والعائلات الفقيرة والمعدمة والجائعة والتي تعيش تحت خط الفقر أو عليه. كما قادت إلى مزيد من التدهور في الخدمات الصحية ومستوى التعليم والسكن والنقل وتقليص القدرة الشرائية للغالبية العظمى من السكان، بسبب تراجع قدرة الحكومة على توفير الرواتب والسيولة النقدية، وبسبب زيادة كبيرة في عدد العاطلين عن العمل، وإلى ارتفاع في سعر السلع والخدمات نتيجة تقلص القدرة الاستيرادية، مما أوجد حالياً حالة من الركود التضخمي التي ستتفاقم بسرعة كبيرة. ولا شك في أن العراق قد لجأ الآن للحصول على القروض وبشروط تزيد من خضوع العراق وتبعيته للمؤسسات المالية الدولية المخلة بسيادة العراق وباقتصاده والكادحين والفقراء من بنات وأبناء الشعب، وهم الغالبية، إضافة إلى زيادة مديونيته الخارجية وتقليص احتياطه من العملات الصعبة. هذه الحالة كانت موجودة قبل كورونا وتفاقمت بعد كورونا. ولكن هناك فارق كبير في مسألة مركزية، أعني بها التحولات المهمة الجارية في وعي الشعب السياسي والاجتماعي في مواجهة الأزمة بكل جوانبها، وعيه ونشاطه الفعلي منذ عام 2019، إذ ارتفع هذا الوعي وتجلى في مستوى جديد ومؤثر عبرت

عنه انتفاضة الشبيبة الباسلة، ومن ثم تحولها إلى انتفاضة شعبية خلال الأشهر الأخيرة من عام 2019 حتى أدى بروز وباء كورونا إلى تراجعها المقصود لفترة.

إن الطغمة الحاكمة لا تريد حل الأزمة، إذ إنها المستفيدة منها وتعمل على إطالتها وإبقاء وزارة تصريف الأعمال ووجود عادل عبد المهدي على رأسها، فهو المناسب لها وللقيادة الإيرانية، ولن تستبدله بآخر ما لم يكن مماثلاً لمن استحق لقب سفاح الشعب، ويستجيب لمطالبها وشروطها، لاسيما خضوعه لإيران وسياساتها في العراق. وإحدى المشكلات التي تعقد اللوحة هو موقف القيادات الكردية التي تريد الاستفادة من الصراعات داخل القوى العربية لصالحها، وبطريقة مخلة لا يستفيد منها الشعب بكل قومياته ولا حتى الشعب الكردي، وهو الأمر الذي لا يعبر عن مواقف مبدئية إزاء القضايا الكردية الأساسية وقضية الديمقراطية والتقدم الاجتماعي في العراق، والتي تضعف القدرة في مواجهة القوى السياسية الطائفية الحاكمة في بغداد. أي إنها تتحرى عن قوى مستعدة للمساومة معها على حساب التغيير المطلوب للصالح العام لمصالح مالية لا غير. وهو امر ليس بجديد ولكن أثاره الراهنة شديدة الضرر على العراق كله وعلى القضية الكردية ذاتها وعلى التضامن النضالي الطويل الأمد، خاصة وأن القوى المعادية للشعب العراقي وعموماً والشعب الكردي خصوصاً، تعمل على إعادة التحالف السياسي الإيراني-العراقي-التركي-السوري الحكومي الموجه ضد القضية الكردية والديمقراطية في العراق وتطويق الشعب الكردي اقتصادياً وسياسياً وخنق الفصيل المتقدم في حركة الأمة الكردية، عندها يضعف أو يغيب عنصر المساومة للقيادة السياسية الكردية الراهنة مع حكام بغداد، وعندها لن تجد من يدافع عنها، وهو الأمر الذي يفترض الانتباه له والتعامل معه بصيغة أخرى غير الصيغة غير الديمقراطية الراهنة!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى