مقالات

هل يبقى العراق عام 2021.. أصل الحكاية

ماجد احمد السامرائي

بتاريخ 7 يناير 2002 نشرت مقالة في صحيفة الشرق الأوسط اللندنية تحت عنوان “هل يبقى العراق عام 2002” عقّبتُ فيها على توقعات الباحث ومستشار الاستخبارات الأميركية غراهام فولر، قبل عشر سنوات من ذلك التاريخ بنهاية العراق في ذلك العام، دافعت عن بقاء العراق موحدا، ليس فقط لكوني عراقيا يدافع عن وطنه، وإنما لدحض النظرية الطائفية التي مازال يتقاسمها السياسيون داخل الحزب الديمقراطي الأميركي مع حكام نظام طهران رغم عدائهما السياسي.فولر، كغيره من خبراء صناعة القرار السياسي الأميركي، ينشر مثل تلك المقالات والبيانات بمعزل عن تقارير الاستخبارات الميدانية والتوجهات السياسية المرتبطة بالاستراتيجيات، التي غالبا لا تتأثر بتغيير رئيس البيت الأبيض، جمهوريا كان أو ديمقراطيا، لكن مجموعات التفكير الأميركي، التي تنظر لوجود العراق وبلدان المنطقة طائفيا، قد ينحسر دورها بمجيء هذا الرئيس أو يصبح دورها مطلوبا بمجيء رئيس آخر. جو بايدن، الذي سيصبح رئيسا في العشرين من هذا الشهر، استند في مشروعه عام 2007 لتقسيم العراق الذي وافق عليه الكونغرس على هذه الأفكار اليمينية، رغم ادعاءات الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه بالتقدمية. هذا المشروع مازال قائما تستند على شرعيته الإدارات الأميركية اليوم وفي المستقبل. ما يعني إنهاء العراق ككيان سياسي واستبداله بآخر.فكرة نهاية العراق في العام الذي يحدده الخبراء السياسيون داخل منظوماتهم الاستخبارية، قد تكون صادمة للعقل وللعاطفة العراقية العامة، بسبب غموض دوافعها، وعدم كشف حقيقتها من قبل الحريصين على استرداد بلدهم المختطف العراق، دون أن تلعب في مسامعهم الشعارات المخادعة المدعية الحفاظ على العراق. تاريخيا، نظرية أن العراق قد تم تجميعه ليست أميركية وحسب، بل هي بريطانية، منشأها حين جمع الزعيم تشرشل الولايات العثمانية، الموصل وبغداد والبصرة، بعد احتلال العراق وطرد العثمانيين من قبل بريطانيا عام 1918، وجاء بالأمير الحجازي فيصل بن الحسين ونصّبه ملكا على العراق الجديد عام 1920، وسط مقاطعة زعامات النجف الشيعية للدولة الجديدة، لهذا فُسرت ثورة العشرين طائفيا على أنها رفض لقيام دولة العراق قبل أن تكون كفاحا مسلحا ضد الاحتلال الذي أصبح في ما بعد مرجعا وراعيا لتلك الزعامات.فكرة العمل على نهاية العراق ككيان سياسي عمرها مئة عام، وتُنشّط حسب الحاجة السياسية من قبل الطامعين. ولا يقتصر الأمر على الولايات المتحدة، بل يشمل أيضا إيران بنظامها الطائفي التوسعي الحالي، ليس فقط لأن العراق بلد منتج للنفط، بل لمكانته الجيوسياسية في المنطقة. وتروج فكرة تفتيته من قبل الوكلاء المحليين من الزعامات الشيعية في ظروف المعارضة، وتحارب دعائيا بعد استلام السلطة.

ما قامت به سلطة الاحتلال الأميركي بعد أبريل 2003 في بناء نظام سياسي ببغداد قائم على الطائفية تقصد به “حكم الشيعة”، تفسيرا لفكرة المكونات التي أصبحت ركنا أساسيا في دستور 2005، غرضها منه إنهاء العراق ككيان وهوية؛ قد يحافظ على ديكوره بالاسم والعَلم والنقد والخارطة الشكلية لكن عمليا لا وجود له. يبقى مشروع التقسيم الفعلي جاهزا للتنفيذ، يتم ترويج فكرته من قبل الزعامات الشيعية عند إحساسها بالمخاطر الجدّية لضياع حكم الجغرافيا العربية للبلد، فلا ولاية لهم على منطقة كردستان، ويظل الدفاع الإعلامي عن اسم العراق مجرد شعار.شيعة السلطة في بغداد لا يؤمنون بوجود عراق خارج سلطتهم “الأبدية”، ما دامت سلطة ولي الفقيه في طهران قائمة. وحين ترحل بفعل نضال الشعوب الإيرانية العريقة، تُحسب الأيام المتبقية لسلطة الأحزاب الشيعية ببغداد. عندها ينتهي عراق إيران وشيعتها، ويعيد أهل العراق وطنهم؛ ألم يقل شباب ثورة أكتوبر “نريد وطنا”.رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي تحدث عن الانهيار المقبل لأنه من خارج الكهف الطائفي؛ هو يقصد انهيار النظام السياسي، وقد تكون رسالته موجهة إلى أصحاب الكهف، فهم يعرفون هذه الحقيقة لكن من وجهة نظرهم؛ لا عراق من دونهم. وتضامن مع فكرة الكاظمي قبل أيام الرئيس برهم صالح، الذي تجرأ على قول جزء مما يعانيه رغم دفاعه عن العهد الأول من سلطة المحاصصة الطائفية “نحنُ بحاجة ماسة إلى عقد سياسي جديد يؤسس لدولة قادرة ومقتدرة وذات سيادة كاملة لأن منظومة الحكم التي تأسست بعد عام 2003 تعرّضت إلى تصدع كبير”.الرئيس الأميركي بايدن لن يروّج لمشروع التقسيم الفيدرالي المصادق عليه من الكونغرس وينفذه إلا بعد أن تصل تداعيات النظام في بغداد مرحلة الانهيار، وها هي علامات الانهيار قوية في النظام الاقتصادي والمالي الذي تبقيه على الحياة دفقات العائدات النفطية، إذا ما ارتفع سعر النفط.

جميع التقارير المحلية واستقصاءات الصحف الأميركية خلال الشهر الأخير من عام 2020 تكاثفت بهذا الاتجاه. إلى جانب، وهذا هو الأهم، الانهيار الأمني وصعود دور الميليشيات في التحكم واللعب بمصير أهل البلد. مهما بدت تحركات الأحزاب الشيعية واثقة وجدّية من نصرها عام 2021، إن جرت الانتخابات، لكن هاجس الخوف يهيمن على رؤوس زعاماتها من الهزيمة المبكرة، لأنها لا تملك مشروعا لأهل الوطن تحتمي خلفه. لقد نهبت المليارات وهربتها خارج البلد، ولم يبق من عمر حكمها إلا القليل. قد يشهد عام 2021 نهايتها، وتأخذ معها عراقها الذي سوّقته للجمهور. وقد تتحول دوافع الشر والكراهية في نفوس هؤلاء إلى حمامات دم وحرب داخل الطائفة الشيعية وخارجها إن اقتضت الحاجة.في مقاييس الاستشراف العديدة للعام الجديد سيناريوهات نهاية عراق شيعة السلطة أكثرها واقعية تلك التي ستبدأ من كردستان، إن تم تصعيد الوضع بين طهران وواشنطن، وينتقل عمل أكبر سفارة أميركية من العاصمة بغداد إلى أربيل؛ يعني ذلك تداعيات دراماتيكية قد تتزامن مع تصعيد أزمة أربيل بغداد، وانفضاض سنة السلطة الضائعين عن ولائهم المصلحي لشيعة السلطة مع أنهم في مركب واحد.الخبير والدبلوماسي الأميركي السابق في الشّرق الأوسط، بيتر غالبرايث، تنبأ قبل عام 2011 أنّ الولايات المتحدة قد خسرت الحرب في العراق، الذي سيبدو بعد الانسحاب الأخير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى