مقالات

هل يمكن أن تتغير الأوضاع الى الأفضل، ومتى؟

د. نزار محمود

يصعب‭ ‬جداً‭ ‬على‭ ‬العراق‭ ‬الراهن‭ ‬ان‭ ‬يحكم‭ ‬نفسه‭ ‬بنفسه‭ ‬لاعتبارات‭ ‬داخلية‭ ‬واقليمية‭ ‬ودولية،‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية‭ ‬وثقافية‭ ‬واجتماعية‭. ‬أولاً‭: ‬الاعتبارات‭ ‬الداخليةالجانب‭ ‬السياسي‭: ‬ان‭ ‬التنوع‭ ‬والتشظي‭ ‬السياسي‭ ‬وضعف‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية‭ ‬الجامعة‭ ‬وبالتالي‭ ‬الركون‭ ‬الى‭ ‬الهويات‭ ‬الفرعية‭ ‬المتعددة‭ ‬اثنياً‭ ‬ودينياً‭ ‬ومذهبياً‭ ‬ومناطقياً،‭ ‬يدفع‭ ‬جميع‭ ‬اطرافه‭ ‬الى‭ ‬الالتجاء‭ ‬الى‭ ‬قوى‭ ‬اقليمية‭ ‬ودولية‭ ‬لطلب‭ ‬العون‭ ‬والدعم‭ ‬والحماية‭ ‬وبالتالي‭ ‬التعامل‭ ‬معها‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬المصلحة‭ ‬الوطنية‭ ‬الجامعة‭. ‬ان‭ ‬القاء‭ ‬نظرة‭ ‬على‭ ‬الخارطة‭ ‬للاحزاب‭ ‬والقوى‭ ‬السياسية‭ ‬جميعها‭ ‬تبين‭ ‬دون‭ ‬شك‭ ‬وتؤيد‭ ‬ذلك‭.‬واذا‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬السلوك‭ ‬قد‭ ‬قام‭ ‬عند‭ ‬البعض‭ ‬منذ‭ ‬تأسيسه‭ ‬وبالتالي‭ ‬أصبح‭ ‬شيئاً‭ ‬عضوياً‭ ‬فيه،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬الارتباط‭ ‬جاء‭ ‬عند‭ ‬البعض‭ ‬الآخر‭ ‬لضرورة‭ ‬كسب‭ ‬الدعم‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬غريمه‭ ‬السياسي‭. ‬وهكذا‭ ‬نجد‭ ‬ان‭ ‬جميع‭ ‬القوى‭ ‬والكتل‭ ‬السياسية‭ ‬الفاعلة‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬وفي‭ ‬غالبيتها،‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬مذهبية‭ ‬دينية‭ ‬أو‭ ‬عرقية‭ ‬اثنية‭ ‬أو‭ ‬مناطقية،‭ ‬مرتبطة‭ ‬بشكل‭ ‬أو‭ ‬آخر‭ ‬مع‭ ‬طرف‭ ‬خارجي‭ ( ‬أجنبي‭ ‬أو‭ ‬عربي‭) ‬أو‭ ‬تستخدم‭ ‬لتحقيق‭ ‬أغراضه‭ ‬مقابل‭ ‬دعمه‭.‬الجانب‭ ‬الاقتصادي‭: ‬ان‭ ‬ريعية‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العراقي‭ ‬واعتماده‭ ‬على‭ ‬الاستيرادات‭ ‬في‭ ‬تأمين‭ ‬عيشه‭ ‬وتنفيذ‭ ‬مشاريعه‭ ‬الخدمية‭ ‬وغيرها‭ ‬يجعله‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬اعتماد‭ ‬على‭ ‬الخارج‭ ‬في‭ ‬ظروفه‭ ‬وسياساته‭ ‬وقراراته‭. ‬فايراداتنا‭ ‬رهينة‭ ‬سوق‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬عرضه‭ ‬وأسعاره‭ ‬وشروطه‭ ‬الاخرى‭. ‬وهكذا‭ ‬تكاليف‭ ‬وشروط‭ ‬ما‭ ‬نحتاجه‭. ‬الجانب‭ ‬الثقافي‭:‬ان‭ ‬منظومات‭ ‬القيم‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والفردية‭ ‬والأخلاق‭ ‬والتعليم‭ ‬والعادات‭ ‬والتقاليد‭ ‬مرتبطة‭ ‬بتنوع‭ ‬الأطياف‭ ‬السياسية‭ ‬والمذهبية‭ ‬والعرقية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تمثلها‭ ‬هوية‭ ‬وطنية‭ ‬جامعة‭. ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يعين‭ ‬على‭ ‬توافق‭ ‬في‭ ‬بوصلة‭ ‬اتجاه‭ ‬تغيير‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬أو‭ ‬نهضة‭ ‬وطنية‭ ‬شاملة‭. ‬الجانب‭ ‬الاجتماعي‭:‬ان‭ ‬التشظي‭ ‬السياسي‭ ‬الذي‭ ‬أشرنا‭ ‬له‭ ‬والاعتماد‭ ‬على‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الريعي‭ ‬وتشتت‭ ‬الرؤية‭ ‬الثقافية‭ ‬تنعكس‭ ‬في‭ ‬مدى‭ ‬متانة‭ ‬النسيج‭ ‬الاجتماعي‭ ‬في‭ ‬حميميته‭ ‬وقيمه‭ ‬وعلاقاته،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬أمر‭ ‬التغيير‭ ‬واتجاهه‭ ‬مهمة‭ ‬صعبة‭. ‬ثانياً‭: ‬الاعتبارات‭ ‬الخارجيةالجانب‭ ‬الاقليمي‭:‬ان‭ ‬تداخلات‭ ‬الحقب‭ ‬التاريخية‭ ‬وطياتها‭ ‬قد‭ ‬تركت‭ ‬في‭ ‬عقول‭ ‬ونفوس‭ ‬اصحاب‭ ‬السلطات‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬المجاورة‭ ‬أحلاماً‭ ‬وأطماعاً‭ ‬في‭ ‬ثروات‭ ‬العراق،‭ ‬ودفعتها،‭ ‬وما‭ ‬تزال،‭ ‬في‭ ‬محاولات‭ ‬متنوعة‭ ‬للانتفاع‭ ‬من‭ ‬ثروات‭ ‬العراق‭ ‬والرغبة‭ ‬في‭ ‬الهيمنة‭ ‬عليه‭ ‬بأساليب‭ ‬وادعاءات‭ ‬شتى‭. ‬وهكذا‭ ‬تتعامل‭ ‬أغلب‭ ‬دول‭ ‬الجوار‭ ‬للعراق،‭ ‬أو‭ ‬تريد،‭ ‬بجعله‭ ‬بقرة‭ ‬حلوب‭ ‬أو‭ ‬مزرعة‭ ‬خلفية‭ ‬لاستراتيجياتها‭. ‬الجانب‭ ‬الدولي‭:‬يشكل‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬جغرافيته‭ ‬وثرواته،‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬النفطية‭ ‬منها،‭ ‬وارثه‭ ‬التاريخي‭ ‬والطبيعة‭ ‬النفسية‭ ‬لأبنائه‭ ‬موقف‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬القوى‭ ‬الدولية‭ ‬ذات‭ ‬الذراع‭ ‬الطويلة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭.‬وبهذا‭ ‬الخصوص‭ ‬تلعب‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ودولة‭ ‬“اسرائيل”‭ ‬والموقف‭ ‬العاطفي‭ ‬والوجداني‭ ‬لعموم‭ ‬ابناء‭ ‬الشعب‭ ‬العراقي‭ ‬منها،‭ ‬شأناً‭ ‬مهماً‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬سياسة‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭.‬ان‭ ‬ما‭ ‬أشرنا‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬اعتبارات‭ ‬داخلية‭ ‬وخارجية‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬أمر‭ ‬التغيير‭ ‬السلس‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬أمراً‭ ‬صعباً‭ ‬جداً‭. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬أحياناً،‭ ‬وما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحصل،‭ ‬من‭ ‬أسلوب‭ ‬تغيير‭ ‬قسري‭ ‬تجاه‭ ‬ما‭ ‬أشرنا‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬اعتبارات‭ ‬وجوانب،‭ ‬في‭ ‬اتجاهه‭ ‬وأبعاده‭ ‬استوجب‭ ‬ويستوجب‭ ‬شكلاً‭ ‬من‭ ‬فرض‭ ‬ارادة‭ ‬مركزية‭ ‬واستخدام‭ ‬قبضة‭ ‬حديدية‭ ‬أحياناً‭ ‬وبالتالي‭ ‬تجاوز‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالأساليب‭ ‬المدنية‭ ‬المتحضرة‭ ‬وديمقراطيتها‭ ‬الليبرالية‭.‬وهنا‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬الاشارة‭ ‬الى‭ ‬ان‭ ‬ما‭ ‬يتمتع‭ ‬به‭ ‬العراق‭ ‬من‭ ‬موارد‭ ‬وموقع‭ ‬جغرافي‭ ‬وتنوع‭ ‬سياسي‭ ‬وارث‭ ‬حضاري‭ ‬وثقافي‭ ‬واجتماعي‭ ‬هو‭ ‬سلاح‭ ‬ذو‭ ‬حدين‭: ‬فهو‭ ‬قد‭ ‬يذهب‭ ‬في‭ ‬اتجاهه‭ ‬لدعم‭ ‬نهضة‭ ‬العراق،‭ ‬أو‭ ‬قد‭ ‬يتجه‭ ‬بنصله‭ ‬فيمزق‭ ‬أحشاء‭ ‬بطنه‭! ‬ان‭ ‬تحديد‭ ‬اتجاه‭ ‬نصل‭ ‬ذلك‭ ‬السلاح‭ ‬سيبقى‭ ‬رهين‭ ‬الوعي‭ ‬بسيادة‭ ‬الهوية‭ ‬والمصلحة‭ ‬الوطنية‭ ‬الجامعة،‭ ‬وبالعزم‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬تغيير‭ ‬على‭ ‬درب‭ ‬بناء‭ ‬وتنمية‭ ‬ونهضة‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى