مقالات

هواجس الألمان بين الحرب والسلام

نزار محمود

سعى‭ ‬الساسة‭ ‬الألمان‭ ‬بكل‭ ‬قواهم‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬لمنع‭ ‬غزو‭ ‬روسيا‭ ‬لأوكرانيا،‭ ‬وتمنوا‭ ‬أن‭ ‬ينجحوا‭ ‬في‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬منع‭ ‬الحرب‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬ايقافها‭ ‬كما‭ ‬كانوا‭ ‬قد‭ ‬نجحوا‭ ‬قبل‭ ‬ثماني‭ ‬سنوات‭ ‬وتوصلوا‭ ‬الى‭ ‬اتفاقيتي‭ ‬منسك‭ ‬1‭ ‬ومنسك‭ ‬2‭ ‬وفق‭ ‬ما‭ ‬سمي‭ ‬بصيغة‭ ‬النورماندي‭ ‬التي‭ ‬جمعت‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬روسيا‭ ‬وأوكرانيا‭ ‬وألمانيا‭ ‬وفرنسا‭.‬بيد‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬لم‭ ‬يسر‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬كما‭ ‬تمنت‭ ‬ألمانيا‭ ‬حيث‭ ‬وقع‭ ‬الغزو‭ ‬واحتارت‭ ‬ألمانيا‭ ‬في‭ ‬تصرفاتها‭ ‬وسياساتها‭ ‬التي‭ ‬حكمتها‭ ‬تطورات‭ ‬مجرى‭ ‬الحرب‭. ‬أمتنعت‭ ‬ألمانيا‭ ‬طويلاً‭ ‬عن‭ ‬المشاركة‭ ‬في‭ ‬توريد‭ ‬السلاح‭ ‬إلى‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬رغم‭ ‬الضغوط‭ ‬الخارجية‭ ‬عليها‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الغرب‭ ‬لا‭ ‬سيما‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬بحجة‭ ‬التزامها‭ ‬بعدم‭ ‬توريد‭ ‬السلاح‭ ‬إلى‭ ‬مناطق‭ ‬التوتر‭. ‬لكنها‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬المضي‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬فراحت‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬توريد‭ ‬سلاح‭ ‬دفاع‭ ‬وسلاح‭ ‬غير‭ ‬فتاك‭! ‬ورغم‭ ‬ذلك‭ ‬فقد‭ ‬فرضت‭ ‬تطورات‭ ‬الغزو‭ ‬الروسي‭ ‬وازدياد‭ ‬الضغوطات‭ ‬يصاحبها‭ ‬فشل‭ ‬جهود‭ ‬الوساطة‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬موقفها‭ ‬من‭ ‬توريد‭ ‬السلاح‭ ‬إلى‭ ‬أوكرانيا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الدفاع‭ ‬عن‭ ‬نفسها‭.‬شيعيش‭ ‬الألمان‭ ‬اليوم‭ ‬وهم‭ ‬يتابعون‭ ‬أخبار‭ ‬الحرب‭ ‬الروسية‭ ‬ضد‭ ‬اوكرانيا‭ ‬بين‭ ‬هواجس‭ ‬الحرب‭ ‬والسلم،‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬يستحضرونه‭ ‬من‭ ‬صور‭ ‬وذكريات‭ ‬الحروب‭ ‬التي‭ ‬دمرت‭ ‬ألمانيا‭ ‬وما‭ ‬يعنيه‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬أعداد‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬بل‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬القتلى،‭ ‬وقضمت‭ ‬منها‭ ‬من‭ ‬الأراضي،‭ ‬لا‭ ‬بل‭ ‬وقسمتها‭ ‬إلى‭ ‬شرقية‭ ‬وغربية‭ ‬لمدة‭ ‬أربعين‭ ‬سنة‭. ‬تذكروا‭ ‬أزيز‭ ‬الطائرات‭ ‬وأصوات‭ ‬القذائف‭ ‬وألسنة‭ ‬النيران‭ ‬التي‭ ‬تلتهم‭ ‬البنايات‭ ‬لتتعالى‭ ‬سحبها‭ ‬في‭ ‬السماء‭ ‬وسط‭ ‬الصراخ‭ ‬والأنين‭. ‬كما‭ ‬قرأوا‭ ‬في‭ ‬تاريخهم‭ ‬كيف‭ ‬عاش‭ ‬الشعب‭ ‬الجوع‭ ‬والعيش‭ ‬بكفاف‭ ‬وذل‭ ‬الاحتلال‭.‬إن‭ ‬الألمان‭ ‬يدركون‭ ‬ويتهيأون‭ ‬لامتداد‭ ‬نيران‭ ‬الحرب‭ ‬إلى‭ ‬ألمانيا‭ ‬أو‭ ‬إلى‭ ‬أية‭ ‬دولة‭ ‬في‭ ‬حلف‭ ‬الناتو،‭ ‬وهم‭ ‬يفهمون‭ ‬ما‭ ‬تعنيه‭ ‬الحرب‭ ‬النووية‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬استخدامها‭ ‬المحدود‭. ‬لقد‭ ‬بدأوا‭ ‬يحتاطون‭ ‬للهجمات‭ ‬السيبريانية‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تضرب‭ ‬مفاصل‭ ‬مؤسسات‭ ‬حساسة‭ ‬عسكرية‭ ‬ومدنية‭.‬بدأ‭ ‬الناس‭ ‬يتحسسون‭ ‬ارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬ويخشون‭ ‬شحتها،‭ ‬تلسعهم‭ ‬ارتفاعات‭ ‬أسعار‭ ‬البنزين‭ ‬والغاز،‭ ‬ويرعبهم‭ ‬شبح‭ ‬فقدان‭ ‬السلم‭ ‬والأمان‭. ‬يتدافعون‭ ‬في‭ ‬استقبال‭ ‬اللاجئيين‭ ‬الأوكرانيين‭ ‬ونجدتهم‭ ‬بمال‭ ‬وملابس‭ ‬وسكن‭ ‬وغذاء‭ ‬ودواء‭.‬واليوم‭ ‬ما‭ ‬يزال‭ ‬الألمان‭ ‬يصرون‭ ‬على‭ ‬رفض‭ ‬ايقاف‭ ‬توريد‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬الروسي‭ ‬إلى‭ ‬ألمانيا‭ ‬بسبب‭ ‬التداعيات‭ ‬السلبية‭ ‬الكبيرة‭ ‬على‭ ‬اقتصادهم،‭ ‬وهم‭ ‬يأملون‭ ‬في‭ ‬تهدئة‭ ‬لا‭ ‬تجبرهم‭ ‬حينها‭ ‬الظروف‭ ‬على‭ ‬إلغاء‭ ‬مشروع‭ ‬نقل‭ ‬الغاز‭ ‬الروسي‭ ‬نورد‭ ‬ستريم‭ ‬2،‭ ‬الذي‭ ‬علقوا‭ ‬تشغيله‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى