مقالات

ويسألونك عن التعليم

صلاح النعيمي

قال الشاعر :” قم للمعلم وفه التبجيلا .. كاد المعلم أن يكون رسولا ” .وقلت :” إذا أردت أن تعرف قيمة العلم ومستوى التعليم في بلد ما ، فأنظر إلى درجة تأثير المعلم وأستاذ الجامعة في السيطرة على قرارات المنهج وقاعة الدرس ومدى مشاركتهما في انجاز متطلبات العملية التعليمية .. مايحدد قيمة ومكانة كل منهما في المجتمع الذي يعيشان فيه ” .تذكرت هذا البيت من الشعر ، وتلك المقولة التي كتبتها قبل سنوات وأنا أنظر إلى حال المعلمين في المدارس وأساتذة الجامعات ، الذين أصبحوا أدوات طيعة لأوامر متعددة متلاحقة تأتيهم من الإدارات الأعلى ، دونما قدرة على إبداء الرأي أو الاعتراض ( رغم عدم توافر القناعات لدى الكثير منهم .. في كثير من الأحيان ) ورأيت هؤلاء الذين كانوا في أزمنة مضت ، يشاركون في إعداد المناهج الدراسية بحرصهم المعهود ويقررون نوعية ومستوى الطلبة الذين يستحقون النجاح … رأيتهم يقبلون بنجاح من لا يستحق تحت وطأة قرارات منح الدرجات للطلبة الراسبين ومنح الفرص التي لاحدود لها ، ماجعل الكثير من المعلمين وأساتذة الجامعات ( يخففون أيديهم عند تصحيح الدفاتر الأمتحانية – تحت وطأة الجوانب الإنسانية وتقدير الظروف الصعبة التي يمر بها أبناءنا الطلبة وعوائلهم ) .. لأجل أن ينجح الطالب في نهاية الأمر ، فيزداد عدد الخريجين ، الذين لايجدون فرص التعيين في دوائر الدولة أو القطاع الخاص ، الذي لايزال يبحث هو عن فرصة عمل مناسبة ويبحث عن إثبات وجوده .وفي حالات عديدة ، حاول بعض المعلمين في المدارس وبعض التدريسيين في الجامعات أن يفرضوا هيمنتهم على الدرس ( كما اعتادوا وتعلموا من أجيالهم السابقة ) فواجهوا غضب بعض الإدارات ( الرسوب مسموح به في حدود ضيقة جدا” ) أو غضب طلابهم ( الذين لا يقبلون بالرسوب حتى ولو لم يقرؤا أو يجتهد وا ، فإن ظروفهم صعبة وعلى المعلم والأستاذ أن يقدرها …. ويمنحهم دفعة) .وفي بعض الأحيان .. يفتعل بعض الطلبة الفاشلين إثارة المشاكل مع مدرسيهم ، فتتدخل العائلة وتتدخل العشيرة أحيانا” ( جيب اعمامك .. رسبت إبنا) .. فنتذكر بألم سنوات وأجيال مضت ، حينما كانت العائلة العراقية ، حريصة على تهيئةجميع الأجواء المنزلية لضمان نجاح أبنائها وتفوقهم في الدراسة .. وعندما كانت العشيرة في قرى بغداد والمحافظات ، تفتخر بإبن العشيرة الذي تم قبوله في الجامعة ( هيبة ورفعة رأس) .وبناءاِ” على ماتقدم ..وتأسيسا” على ماتقدم .. لن تقوم قائمة للعلم وللتعليم في العراق ، ما لم يستعيد المعلم وأستاذ الجامعة .. مكانتهما الحقيقية ، ومالم تكون قاعة الدرس وقناعتهما بمستوى الطالب دراسيا” ، هما المعيار لنجاحه وانتقاله إلى مرحلة دراسية أعلى ( قد يتحدث البعض ، بأن المعلم الآن .. ليس مثلما كان في السابق ، من حيث الالتزام والحرص على التعليم .. فنقول ، أن الصحيح يستوجب عودة الأمور إلى نصابها ويكون المعلم وأستاذ الجامعة، هما محور السيطرة على قاعة الدرس وتقييم جهد الطلبة وتقرير مصيره .. ويبقى على عاتق الإدارات بتسلسلاتها التصاعدية أن تحافظ على انسيابية التعليم وفرز المسيئين ومكافأة الملتزمين ، من خلال آليات الإشراف والمتابعة .. وليس من خلال قرارات تعدد الأدوار الأمتحانية ومنح الدرجات ( التي ينبغي أن يحصل عليها الطالب بجهده ومثابرته ، وليس بآلية المنح والهبات) . فالعالم يصنع عالم ومبدع ومبتكر وخبير ، ليكون مستقبل الوطن في أياد أمينة .. ولا يرفع جاهل أو متماهل فيشغل موقعا” مهما” في مؤسسات حساسة ، لتكون نتائج الحاضر والمستقبل وخيمة وتضيع موارد البلاد ، فتفقد مكانتها وتاريخها وينحدر مستوى تقبيمها بين دول العالم .إن أول مسارات العودة وضمان جودة التعليم .. تتطلب العمل على تطوير وتنمية قدرات المعلمين وأساتذة الجامعات وإعادة الثقة بدورهم المحوري في العملية التعليمية وحمايتهم وتعزيز مكانتهم في المجتمع ، ما يتطلب تقليل الأوامر التي يتلقوها إلى حدودها الدنيا ليدرك الطلبة بأن مستقبلهم يرتبط بمستوى جهدهم المبذول في الدراسة .. وأن النجاح والتفوق رهينان بمتابعة حضور الدرس والاستزادة من العلم وسهر الليالي .. دونما انتظار لتدخل خارجي أو قرارات تمنحهم مزيدا” من التمرد واستسهال النجاح .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى