مقالات

أبعد‭ ‬من‭ ‬المخدرات

فاتح‭ ‬عبد‭ ‬السلام

‭ ‬انتشار‭ ‬المخدرات‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬يسير‭ ‬بسرعة‭ ‬جنونية،‭ ‬ولا‭ ‬تكاد‭ ‬دولة‭ ‬واحدة‭ ‬تنجو‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الآفة‭ ‬التي‭ ‬تخصص‭ ‬لها‭ ‬الحكومات‭ ‬أجهزة‭ ‬أمنية‭ ‬خاصة‭ ‬لمكافحتها‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬جدوى‭ ‬في‭ ‬القضاء‭ ‬عليها،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬احباط‭ ‬عشرات‭ ‬العمليات‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬التهريب‭ ‬والتخزين‭ ‬والتوزيع‭. ‬

على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬لقد‭ ‬ضُبطت‭ ‬10‭ ‬أطنان‭ ‬من‭ ‬المخدرات‭ ‬في‭ ‬أرصفة‭ ‬ميناء‭ ‬لوهافر‭ ‬الفرنسي‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2021،‭ ‬بزيادة‭ ‬164‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬عن‭ ‬العام‭ ‬السابق،‭ ‬مع‭ ‬تدفق‭ ‬موجة‭ ‬هائلة‭ ‬من‭ ‬الكوكايين‭ ‬إلى‭ ‬أوروبا‭ ‬من‭ ‬أميركا‭ ‬الجنوبية،‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬شهد‭ ‬الميناء‭ ‬ذاته‭ ‬أمس‭ ‬الأول‭ ‬مطاردات‭ ‬كبيرة‭ ‬لعصابات‭ ‬تهريب‭ ‬حاويات‭ ‬كاملة‭ ‬من‭ ‬الكوكائين‭ ‬في‭ ‬وضح‭ ‬النهار‭.‬

من‭ ‬السذاجة‭ ‬النظر‭ ‬الى‭ ‬هذه‭ ‬المشكلة‭ ‬بوصفها‭ ‬أمنية‭ ‬خالصة،‭ ‬وتخص‭ ‬فئة‭ ‬محددة‭ ‬ضالة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬تسعى‭ ‬للكسب‭ ‬السريع،‭ ‬وتتجه‭ ‬نحو‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬التجارة‭ ‬المهلكة‭ ‬للنفس‭ ‬البشرية‭.‬لو‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هناك‭ ‬عوامل‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬تساعد‭ ‬هذه‭ ‬الافة‭ ‬على‭ ‬الانتشار‭ ‬لما‭ ‬وجدت‭ ‬لها‭ ‬اسواقا‭ ‬تتسع‭ ‬بالأيام‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬القارات‭. ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬وجود‭ ‬منظمات‭ ‬وأحزاب‭ ‬ومليشيات‭ ‬وتجار‭ ‬حروب‭ ‬يزرعون‭ ‬ويسوقون‭ ‬المخدرات‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬تمويل‭ ‬انشطتهم،‭ ‬فإنّ‭ ‬هناك‭ ‬عوامل‭ ‬تشجيع‭ ‬على‭ ‬تفسخ‭ ‬المجتمع‭ ‬بحماية‭ ‬من‭ ‬تشريعات‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول،‭ ‬تسهم‭ ‬بشكل‭ ‬فاعل‭ ‬في‭ ‬تهيئة‭ ‬الأرضية‭ ‬المناسبة‭ ‬لهذه‭ ‬الآفة‭ ‬الخطيرة،‭ ‬ومثال‭ ‬ذلك‭ ‬هي‭ ‬الانحرافات‭ ‬الجنسية‭ ‬وما‭ ‬تسمى‭ ‬بالمثلية‭ ‬التي‭ ‬تحميها‭ ‬قوانين‭ ‬وتشجع‭ ‬عليها‭ ‬وسائل‭ ‬اعلام‭ ‬كثيرة‭ ‬ومنصات‭ ‬درامية‭ ‬عملاقة‭ ‬على‭ ‬شبكات‭ ‬الانترنت،‭ ‬وهذه‭ ‬المثلية‭ ‬الجنسية‭ ‬تنتعش‭ ‬في‭ ‬الأجواء‭ ‬الملوثة‭ ‬بالانحراف،‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ‭ ‬تتسق‭ ‬وتنمو‭ ‬مع‭ ‬المخدرات‭ ‬والجريمة‭ ‬المنظمة‭ ‬والتحلل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬وتفكيك‭ ‬الأُسر،‭ ‬بحيث‭ ‬تبدو‭ ‬المخدرات‭ ‬نتيجة‭ ‬طبيعية‭ ‬لمجموعة‭ ‬من‭ ‬تفاعلات‭ ‬عوامل‭ ‬الانحلال‭ ‬وتدمير‭ ‬نواة‭ ‬المجتمعات‭ ‬وهي‭ ‬الأسرة‭.‬اختلال‭ ‬منظومة‭ ‬القيم‭ ‬تحت‭ ‬استغلال‭ ‬ساذج‭ ‬لحرية‭ ‬التعبير‭ ‬والحريات‭ ‬الشخصية‭ ‬الأخرى‭ ‬يقود‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬الى‭ ‬إشاعة‭ ‬أجواء‭ ‬المخدرات‭ ‬في‭ ‬التسويق‭ ‬والتهريب‭ ‬والاستهلاك‭. ‬

غير‭ ‬انّ‭ ‬الموجة‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬عالية‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬خاصةً،‭ ‬وتطغى‭ ‬على‭ ‬الاصغاء‭ ‬الى‭ ‬أصوات‭ ‬تحاول‭ ‬أن‭ ‬تعيد‭ ‬للمجتمعات‭ ‬منظومة‭ ‬القيم‭ ‬الاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬تستطيع‭ ‬أخذ‭ ‬الناس‭ ‬الى‭ ‬شاطئ‭ ‬الأمان،‭ ‬بما‭ ‬يمكن‭ ‬للجهات‭ ‬الرقابية‭ ‬والأمنية‭ ‬حصر‭ ‬النقاط‭ ‬الشاذة‭ ‬والموبوءة‭ ‬بتهريب‭ ‬المخدرات‭ ‬وتسويقها،‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ‭ ‬عزلها‭ ‬وجعل‭ ‬الجسم‭ ‬السليم‭ ‬من‭ ‬المجتمعات‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬ضررها‭

. ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬المسار‭ ‬لا‭ ‬يتقدم،‭ ‬بل‭ ‬ينحسر‭ ‬لحساب‭ ‬تفسخ‭ ‬المنظومات‭ ‬القيمية‭ ‬التي‭ ‬تتسلل‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬المخدرات‭ ‬بسهولة‭. ‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى