مقالات

حينما تذكرت الجلبي

جعفر المظفر

تذكرت السيدة (العاصي), التي ظهر أنها الزوجة الثانية لأحمد الجلبي أو الثالثة حينما صرحت بأن لديها ملفات فساد كان قد جمعها زوجها عن زعماء في الحكومة العراقية وإن ما قد تكشفه سوف يطيح برؤوس هؤلاء الفاسدين, فتساءلت أين ذهبت تلك السيدة ومن الذي أغراها بالسكوت, وكان من ضمن ما حسبت حينها أن السيدة أرادت من تصريحها ذاك حماية نفسها بعد مقتل الزوج فتصوَرَّت أن الفاعلين سوف يبقون على حياتها خوفا من الفضائح المخزية ربما خشية منهم أن تكون السيدة قد وضعت الملفات عند طرف ثالث أوصته أن يكشف عن المستور حالما يصيبها الفاسدون بفنجان القهوة الذي أصابوا به زوجها.ربما تتصور السيدة العاصي أنها في دولة مثل السويد أو إنكلترا أو النرويج أو حتى في الهند حيث يمكن لفضيحة مالية أن تتسبب بسقوط الوزير أو حتى الحكومة التي ينتمي إليها.إن الفساد الذي زعمت أن زوجها الراحل كان جمع الملفات عنه وعن أصحابه لا يحتاج إلى ملفات لتفضحه, فهو يتحرك وتنطق آثاره وأعراضه في وجوه المئات من الأطفال الذين يعيشون على المزابل ومعدمي الشوارع المشردين والنساء اللواتي يبحثن عن لقمة العيش عن طريق بيع أجسادهن في سوق النخاسة المباشر أو ذلك المغلف بالفتاوى التي تحلل المفاخذة مع الرضيعة أو إرضاع الغريب, وهو يتحرك أيضا في المجاري التي تفيض لأقل زخة مطر وفي الملايين من المهجرين الذين يفترشون الأرض في خيام لا تقيهم مطرا أو برد أو حر, وفي مدارس الخوص والطين والإعمدة التي تركت شواهد على أبنية أخذ مقاولوها الملايين ثم هربوا ليتركوا الشيلمان شاهدا على السرقة والعبث بأموال الناس ومستقبل الأطفال.هل كنا نحتاج إلى هؤلاء المراوغين الفاسدين أو إلى غيرهم من المتعاركين على النهب والمواقع المافيوية ليكشفوا لنا عن وجود هذا الفساد وحجمه ومستوياته وأبطاله وليجمعوا عنها الملفات لغرض أن يوفروها لصراعاتهم السياسية وليصنعوا من نفوسهم نجوما من نجوم الدفاع عن الإنسان العراقي الذي إستهلكه النظام السياسي الحالي, وهو نظام أقل ما يعاب على أبطاله الفساد في قائمة تجمع كل مفردات السفالة.بعد موته تصدت السيدة زوجة الجلبي معلنة عن وجود ملفات فساد كان زوجها قد جمعها وإحتجزها وأخفاها, وقد ذكرنا تصريح السيدة بملفات (المالكي) التي تتحدث عن الإرهاب تلك التي كان يهدد بها أصحابها كلما أراد منهم أن يذعنوا لإرادته. ولا ندري كيف يمكن لرجل حريص على أموال الناس في بلد مرهق مستهلك كالعراق أن ينام لليلة وفي عهدته ملف يتحدث عن فساد بملايين وحتى بمليارات الدولار ولا يذهب لأقرب وسيلة إعلامية ليفضحه, أو حتى يلجأ للإستقالة من حكومة ونظام هو لطخة عار كبيرة في تاريخ العراق ثم يسعى جاهدا من مركز المعارضة إلى العمل ضد النظام وفاسديه وطائفييه وإرهابييه.وللحق نقول أن الجلبي قد حاول أن يفعل ذلك. ليس محاولة منه للإصلاح, ولا لأنه فوجئ أن الفساد قد تجاوز المخيلة, أو حدود المتفق عليه, بل ربما لسبب إدراكه أن الممثلين من الكومبارس هم الذين إستولوا كالعادة على كرسي زعامته, وأنهم آيلين إلى تجاوزه, وأن إيران التي سلبت من أمريكا أو إستلمت منها مهمة تعيين الزعماء العراقيين لم يعد في واردها أن تبقيه زعيما بعد أن صار لديها فائضا من الذيول الذين منحوها قدرة التصرف بكل حرية, لذلك قتلته الجارة بفنجان قهوة.إن مصيبتنا ليست مع الفاسدين والإرهابيين فقط وإنما هي في أبشع صورها مع جامعي الملفات التي تفوقوا على المافيات قذارة وعيوب, وهؤلاء تراهم وزراء ونواب ورؤساء لجان في مجلس النواب وقضاة حكام كان واحدهم قد إستلم حصته من أموال الناس توا ثم ذهب ليحكم في قضية فساد بطلها جائع عراقي إضطر أن يسرق ليأكل ويعيل أفواه الأرانب في بيته, فهناك فساد وهناك ملفات للمتاجرة بها ومثلها الملفات المالكية التي تعامل بها صاحبها مع قتلة الشعب العراقي, ثم أخذ يهدد بهم القتلة كي يدينوا له ولأسياده بالولاء.لا يا أقذر الناس, لا يا أساتذة العار وصناع الخزي. إن شعبنا لا ينتظر ملفاتكم ليعرف حجم كارثة الفساد التي يعيشها وليتعرف على نوعها وعلى اسبابها ورجالها, وإن أيا من هؤلاء الذين يتراشقون فيما بينهم بملفات الفساد إنما يتراشقون بها طلبا لحصة حرموا منها أو موقعا لم يحصلوا عليه.في كل قوانين الأرض وفي كل التشريعات نحن نعلم أن هناك قاعدة تقول : المتهم برئ حتى تثبت إدانته, إلا في العراق فالقاعدة تقول أن كل القيادات الحكومية والتشريعية من مجلس للنواب إلى المجالس القضائية هم مجرمون حتى تثبت براؤتهم.ويا مٍسْتر الكاظمي . أما آن أوان الكشف عن بعض ملفات الفساد التي جمعتها منذ أن كنت مديرا لإستخبارات النظام وحتى أصبحت رئيسا للوزراء بوعد أن تكون ملاحقة الفساد والفاسدين والكشف عن قتلة المتظاهرين أول ما تنفذه من مهام حال إستلامك للرئاسة, أم أنك أصبحت خير خلف لأسوء سلف, ومنه تعلمت أن قيمة الملف تكمن ببراعة التهديد به لا بالكشف عنه.تحية للقلة التي لا تتجاوز أصابع اليد والتي خرجت من الماء الآسن بيضاء الثياب وآخرهم الدكتور علاء العلوان وزير الصحة المستقيل من وزارة عبدالمهدي التي أجبرها ثوار تشرين على الإستقالة وليس الضمير الذي غاب ولم يُعثر له على أثر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى