مقالات

كصكوصة (كوندي) والفوضى الحرَاقة

منقذ داغر

على الرغم من انها لم تنطق ذلك المصطلح مطلقا،الا ان الفوضى الخلاقة ارتبطت بمستشارة الامن القومي السابقة كوندليزا رايس(كوندي).

ونظرا لجاذبية المصطلح للعقل العربي المغرم بالمؤامرات،فقد غطى استخدامه على حقيقة ان كوندي ومن وراءها بوش والمحافظين الجدد كانوا من السذاجة والسخف بحيث امنوا ان بامكانهم إعادة هندسة النظام السياسي العربي لبلوغ ما اسمته كوندي بالشرق الاوسط الجديد في مقابلتها في الواشنطن بوست في اذار 2005 ثم في تصريحاتها في لبنان عام 2006 حين توسطت للوصول لاتفاق بين اسرائيل وحزب الله.

شرق أوسط تسوده الديمقراطية على وفق أنموذج كوندي. ديمقراطية تقودها مؤسسات تجلب الحرية وتقلل التوتر وتقضي على الارهاب الذي ادى الى سبتمبر كما قالت.هذه السطحية في تفكير كوندي ومن ورائها مشابهة لاعتقادها ان العراق استعاد سيادته في كصكوتها الشهيرة (ادناه) والمقتضبة جدا، والتي مررتها لرئيسها بوش حينما كان يحضر قمة الناتو في 28 حزيران 2004 مبشرةً اياه بان بريمر ابلغها صباح ذلك اليوم ان العراق استعاد سيادته،فرد بوش قائلاً..(لندع الحرية تسود)!!!

وبعد كل هذه الجهود والسنين، سواء لخلق الديمقراطية أوجلب الازدهار أوالقضاء على التطرف، فلا ديمقراطية ازدهرت ولا حرية سادت ولا ازدهار حل ولا تطرف قل،والعراق هو المثال الابرز!

Photo by Executive Office of the President.وفي الذكرى السابعة عشرمن مصطلح الشرق الاوسط الجديد ومن تاريخ مذكرة(كوندي) فأن الشرق الاوسط الجديد بات شرق اوسط مريض،والفوضى الخلاقة تحولت الى فوضى حرَاقة. وعلى الرغم من ايماني العميق بأهمية الديمقراطية (الحقيقية) للمنطقة عموما ولبلدي العراق،فاني أدرك ان الطريق ما زال طويلا لتحقيقها.كما ادرك أن قادم الايام والشهور ستشهد المزيد من الاضطرابات الشعبية وبخاصة في العراق الذي بات مهددا بفوضى لن يسلم منها احد ولا يمكن التبؤ بما ستؤول له.ان الشيء المؤكد الان ان هذا النظام السياسي العراقي بات خارج نطاق الخدمة،وان صنَاعه وقادته باتوا مقتنعين بعدم قدرته على الاستمرار. وعلى الرغم من احتمال نجاح الثورة الشعبية في العراق بخلق نظام ديمقراطي حقيقي، الا ان احتمالات الفوضى،والتقسيم،والدكتاتورية(بمختلف اشكالها) بل وحتى الحرب الاهلية،كلها قائمة وواردة. في ظل هذه الاحتمالات التي يصعب التنبؤ بها او السيطرة عليها،اذا حدثت، فليس سوى الحكمة(المفقودة للاسف) طريقا لاحداث التغيير المسيطر عليه،وغير العنيف.ولتحقيق ذلك يجب الانتقال من مرحلة تشخيص العجز وأدراكه،الى مرحلة الحوار ثم التفاوض. اذا لم يدرك كل اصحاب المصلحة في العراق ان اللعبة الصفرية(فائز-خاسر)لا يمكن تحقيقها من قبل اي طرف سواء من كان في الحكم او خارجه،فأن التغيير المنفلت سيصبح مثل السلاح المنفلت،خارج نطاق السيطرة وتحل الياته محل اليات السياسة العقلانية.ان التغيير يبدأ في العقل والنفس،وبدايته تكمن في الايمان ان على الجميع ان يقدم التنازلات وان بلوغ منتهى الغايات هو منتهى الغباء.لقد اطلقت(واطلق سواي ايضا) أكثر من نداء لحوار مجتمعي- سياسي على اساس الشمول والمساواة والثقة ،وما لم يحصل ذلك قريبا فان الفـــوضى الحرَاقة قادمـــة،أكاد اراها، ولن يسلم منها احد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى