أميركا.. انتخابات على قارعة الطريق

محمد صالح صديقان

أسابيع معدودة يكون فيها المجتمع الدولي على موعد مع الحدث الاكثر اثارة في العالم؛ انه الثالث من نوفمبر موعد الانتخابات الرئاسية الاميركية .

ليس مهما لنا الملفات التي يتحرك من خلالها الناخب الاميركي لصناديق الاقتراع كالوضع الاقتصادي وبرنامج الضرائب والتعليم والتامين الاجتماعي ؛ وانما انعكاسات نتائج هذا الحدث الذي ينتظره الكثيرون لانه يؤثر في العديد من التطورات على المستوى العالمي ؛ ناهيك عن انه يقدم انموذجا للديمقراطية التي ترفع لواءها الولايات المتحدة .

المرشح الديمقراطي المنسحب برني سندرز قال: « انتخابات 2020 ليست بين الرئيس دونالد ترامب وجو بايدن وانما هي انتخابات بين ترامب والديمقراطية ويجب ان تنتصر الديمقراطية » . « العجوز العاقل » قال ذلك بعد أن سألوا ترامب هل يتعهد بانتقال سلمي للسلطة ؟ قال « دعونا نرى ماذا سيحدث » .

جواب ازعج حتى انصاره من الجمهوريين الذين حاولوا خلال الاعوام الاربعة السابقة تقليل حدة السلوك الذي انتهجه الرئيس ترامب ؛ بينما رأى فيه المحللون والمراقبون السياسيون في الداخل الاميركي « خطرا يستهدف المجتمع الاميركي».

الصحفي الاميركي الشهير توماس فريدمان قال: « نحن نملك رئيس جمهورية يقول عليكم الاختيار؛ إما ان تقفوا معي في الانتخابات او اشكك في مشروعية هذه الانتخابات».

وقال إن ما حدث خلال الايام الماضية «جرس انذار»، معربا عن اعتقاده بأن الولايات المتحدة تقف على اعتاب «حرب اهلية». مايكل كوهين المحامي السابق للرئيس ترامب قال لقناة سي ان ان: « اذا خسر ترامب الانتخابات فلا تتوقعوا انتقالا سلميا للسلطة »، الرئيس ترامب نفسه توقع ان تحسم المحكمة العليا المنافسة بينه وبين المرشح الديمقراطي جو بايدن . الجمهوريون محرجون في الدفاع عن الرئيس ترامب لانهم كما قال ميتش مكونيل: «يشمون رائحة الديكتاتورية»، وقال ايضا دفاعا عن الديمقراطية: «ان السلطة سوف تنتقل بسلمية كما كانت منذ العام 1792»، في اشارة واضحة الى ضرورة تقيد الفائز في الانتخابات بالقانون. وفي مثل هذه الاجواء الملبدة التي تتزامن مع اقتراب موعد الانتخابات يشهد الواقع الاميركي نوعا من قطبية ثنائية غير مسبوقة في تاريخ الولايات المتحدة ؛ والمجتمع الدولي يراقب نتيجة هذا الصراع لأهيمتها على جميع الملفات الدولية، لأن هذه القطبية بشكل او باخر تسري بشكل مباشر او غير مباشر في دوائر القرار الدولي . البعض لا يريد ان يرى عودة الرئيس ترامب للبيت الابيض؛ بينما الاخر يعدّ الايام لخروجه من هذا البيت الذي روّع انفاسهم وحشرهم في زاوية لا يحسدون عليها . استطلاعات الراي في الداخل الاميركي حتى الان تشير الى تفوق المرشح الديمقراطي جو بايدن؛ لكن المؤشرات تشير الى ان اصوات الولايات تتجه لصالح الرئيس ترامب؛ في الوقت الذي تخضع فيه الاجواء الانتخابية لثلاثة عوامل اساسية، هي عامل « جائحة كورونا » والتاثيرات الاقتصادية لهذه الجائحة ؛ اضافة الى موجة الاحتجاجات والغضب الشعبي لتفشي ظاهرة التمييز العنصري، وهي التي ادت الى زيادة شعبية المرشح الديمقراطي في استطلاعات الراي العام ؛ والتي ادت الى ترجيح فوزه في الانتخابات مع اليقين ان مثل هذا الاستنتاج سابق لاوانه . لكن الفائز في هذه الانتخابات ايا كان سيحمل هموم العوامل الثلاثة السابقة، فاذا كان الاقتصاد الاميركي باستطاعته حل المشكلات الاقتصادية من خلال القدرة الاقتصادية التي يمتلكها بالقوة والفعل ؛ واذا كان ايضا قادرا على معالجة « جائحة كورونا » من خلال ايجاد اللقاح والدواء، لكنه سيلاقي مشكلة حقيقية برزت بالظهور من جراء ظاهرة التمييز العنصري والتفكك الاجتماعي على خلفية ممارسات الاجهزة الحكومية التي حذرت منها العديد من الاوساط الفكرية والسياسية الاميركية . وبطبيعة الحال فإن الاسابيع القادمة حبلى بالكثير من المفاجآت على خلفية نتائج المناظرات التلفزيونية التي تجرى للمرشحين ؛ الديمقراطي جو بايدن والجمهوري دونالد ترامب ؛ اضافة الى الجدل الحاصل بشأن طبيعة الانتخابات؛ إن كانت بريدية أو في المقرات الانتخابية ؛ الإ ان الاكيد ان الثالث من نوفمبر سيرسم مرحلة جديدة من العملية الديمقراطية الاميركية . وان الفائز في الانتخابات ايا كان سيحمل معه اعباء تداعيات العملية الانتخابية على ضوء ما يقوله الرئيس ترامب في عدم السماح للانتقال السلمي للسلطة في حال فشله وهو ما دعا المهتمين بهذه الانتخابات للتكهن بحرب اهلية لا تنتهي إلا بانفصال عدد من الولايات الاميركية .يبقى المجتمع الدولي؛ بما فيه الشرق الاوسط يراقب باهتمام ما ستؤول اليه الاوضاع في الولايات المتحدة، حتى يتبين هل الدخان المتصاعد من المدخنة الاميركية اسود أو ابيض ؟ وعندها تبدأ السيناريوهات التي يمتلكها جميع الفرقاء للتعاطي مع النتائج التي اصبحت على الطاولة لترتيب الاوراق المتناثرة التي ساهمت حكومة الرئيس ترامب ببعثرتها انسجاما مع النتائج المتحققة .