مقالات

احتمالات‭ ‬الانزلاق إلى‭ ‬الهاوية

د. نزار محمود

ما‭ ‬سأكتبه‭ ‬ليس‭ ‬تشاؤماً‭ ‬أو‭ ‬تثبيطاً‭ ‬للعزم،‭ ‬بل‭ ‬تنبيهاً‭ ‬وتحذيراً‭ ‬لما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تؤول‭ ‬اليه‭ ‬الأمور‭ ‬في‭ ‬سياقات‭ ‬ما‭ ‬يحصل‭ ‬في‭ ‬العراق‭.‬سأتناول‭ ‬بشيء‭ ‬من‭ ‬الاختصار‭ ‬الشديد‭ ‬حال‭ ‬عراق‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬جوانبه‭ ‬المتعددة‭:‬الجانب‭ ‬السياسي‭:‬وأريد‭ ‬به‭ ‬الاطار‭ ‬الذي‭ ‬يضم‭ ‬ادارة‭ ‬حياة‭ ‬المجتمع‭ ‬تشريعاً‭ ‬وقضاءً‭ ‬وتخطيطاً‭ ‬واقتصاداً‭ ‬ومالاً‭ ‬وتنفيذاً‭. ‬كما‭ ‬انه‭ ‬المشرف‭ ‬على‭ ‬والمؤثر‭ ‬في‭ ‬منظومات‭ ‬القيم‭ ‬والأخلاق‭ ‬التي‭ ‬تحكمه‭. ‬

ان‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬بسلطاته‭ ‬التشريعية‭ ‬والقضائية‭ ‬والتنفيذية‭ ‬أشبه‭ ‬بموقع‭ ‬ومكانة‭ ‬رأس‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬جسمه‭.‬عندما‭ ‬ننظر‭ ‬اليوم‭ ‬الى‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬فوضويته‭ ‬وهلاميته‭ ‬وسيادته‭ ‬المثلومة‭ ‬وضبابية‭ ‬ملامح‭ ‬اتجاهه‭ ‬ودستوره‭ ‬المشظي‭ ‬باسم‭ ‬الديمقراطية‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬وغير‭ ‬الملائم‭ ‬لواقعه‭ ‬ودرجة‭ ‬تطوره،‭ ‬والى‭ ‬علمه‭ ‬ومنظومات‭ ‬عمله‭ ‬الاخلاقية‭ ‬والطائفية‭ ‬وقياداته‭ ‬التحاصصية،‭ ‬ندرك‭ ‬اننا‭ ‬أمام‭ ‬نظام‭ ‬سياسي‭ ‬كارتوني‭ ‬لا‭ ‬لون‭ ‬له‭ ‬ولا‭ ‬طعم‭ ‬ولا‭ ‬رائحة‭.‬

الجانب‭ ‬الاقتصادي‭

:‬ان‭ ‬واقع‭ ‬العراق‭ ‬الاقتصادي‭ ‬في‭ ‬اعتماده‭ ‬شبه‭ ‬التام‭ ‬على‭ ‬ايرادات‭ ‬نفطه،‭ ‬وسوء‭ ‬الادارة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬وما‭ ‬يعيشه‭ ‬الاقتصاد‭ ‬من‭ ‬فساد‭ ‬مالي‭ ‬كبير،‭ ‬وما‭ ‬يجري‭ ‬نهبه‭ ‬من‭ ‬ثروات‭ ‬لصالح‭ ‬جهات‭ ‬خارجية،‭ ‬والاعتماد‭ ‬الكبير‭ ‬على‭ ‬استيراد‭ ‬السلع‭ ‬والخدمات‭ ‬لا‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬متانة‭ ‬اقتصاد‭ ‬أو‭ ‬مستقبل‭ ‬في‭ ‬بنائه‭. ‬كما‭ ‬ان‭ ‬الأعداد‭ ‬الكبيرة‭ ‬العاطلة‭ ‬عن‭ ‬العمل‭ ‬والحاملة‭ ‬لشهادات‭ ‬جامعية‭ ‬وغيرها‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬اهتزت‭ ‬فيه‭ ‬أسس‭ ‬ومعايير‭ ‬التعليم‭ ‬وجودة‭ ‬مخرجاته،‭ ‬تشكل‭ ‬عبئاً‭ ‬ثقيلاً‭ ‬في‭ ‬تشغيلها‭ ‬أو‭ ‬إعادة‭ ‬تأهيلها‭ ‬وفق‭ ‬متطلبات‭ ‬اسواق‭ ‬العمل‭ ‬المنافسة‭

.‬الجانب‭ ‬الاجتماعي‭:‬

ان‭ ‬ما‭ ‬عاشه‭ ‬العراق‭ ‬من‭ ‬حروب‭ ‬وحصارات‭ ‬وصراعات‭ ‬ونزاعات‭ ‬طائفية‭ ‬وسياسية‭ ‬دموية،‭ ‬وما‭ ‬نتج‭ ‬عنها‭ ‬من‭ ‬موجات‭ ‬هجرة‭ ‬ونزوح‭ ‬لملايين‭ ‬العراقيين‭ ‬قد‭ ‬تسبب‭ ‬في‭ ‬تصدعات‭ ‬وخندقة‭ ‬اجتماعية‭ ‬يصعب‭ ‬العودة‭ ‬معها‭ ‬الى‭ ‬حال‭ ‬شعب‭ ‬أو‭ ‬مجتمع‭ ‬يعمه‭ ‬الأمن‭ ‬والسلام‭ ‬والتعاضد‭. ‬وعندها‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬حديث‭ ‬عن‭ ‬بناء‭ ‬أو‭ ‬نمو‭. ‬انه‭ ‬ليصعب‭ ‬على‭ ‬المرء‭ ‬المتعطش‭ ‬الى‭ ‬وطن‭ ‬يحميه‭ ‬وشعب‭ ‬ينتمي‭ ‬اليه‭ ‬جميع‭ ‬ابنائه‭ ‬أن‭ ‬يفتقد‭ ‬تلك‭ ‬اللحمة‭ ‬التي‭ ‬تشد‭ ‬ازر‭ ‬هذا‭ ‬المجتمع‭. ‬وهكذا‭ ‬هي‭ ‬حال‭ ‬الشعوب‭ ‬والأمم،‭ ‬فبدلاً‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تزدان‭ ‬بتعدد‭ ‬اطيافها‭ ‬وألوانها،‭ ‬نجدها‭ ‬عند‭ ‬ضعفها‭ ‬متناحرة‭ ‬متصارعة‭ ‬متنافرة‭. ‬وهكذا،‭ ‬هو‭ ‬حال‭ ‬عراق‭ ‬اليوم‭ ‬للأسف‭.

‬الجانب‭ ‬الثقافي‭:‬

ولعله‭ ‬الأكثر‭ ‬خطورة‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭. ‬فالثقافة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تخدم‭ ‬معارفها‭ ‬قيم‭ ‬ومواقف‭ ‬وسلوكيات‭ ‬التعايش‭ ‬السلمي‭ ‬المبدع‭ ‬في‭ ‬افكاره‭ ‬وطروحاته‭ ‬العملية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬النهوض‭ ‬بالواقع‭.‬ان‭ ‬هجينية‭ ‬الثقافة‭ ‬التي‭ ‬سببتها‭ ‬الطائفية‭ ‬والعرقية‭ ‬والتي‭ ‬انعكست‭ ‬في‭ ‬هشاشة‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية‭ ‬وتقدم‭ ‬الهويات‭ ‬الفرعية‭ ‬عليها‭ ‬قد‭ ‬شوهت‭ ‬المشهد‭ ‬الثقافي‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬وطرحت‭ ‬تساؤلات‭ ‬حول‭ ‬فهم‭ ‬وقيمة‭ ‬التراث‭ ‬الوطني‭ ‬ودلالاته‭ ‬الرمزية،‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭.‬

في‭ ‬الختام‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬بعض‭ ‬الملاحظات‭ ‬حول‭ ‬امكانية‭ ‬تجاوز‭ ‬واقع‭ ‬ما‭ ‬ذهبنا‭ ‬اليه‭:‬‭- ‬الالتزام‭ ‬الواعي‭ ‬بحرمة‭ ‬الوطن‭ ‬شعباً‭ ‬وسيادة،‭ ‬حضارة‭ ‬وتاريخاً‭ ‬ودوراً‭.‬‭- ‬الاستعداد‭ ‬الاخلاقي‭ ‬لتولي‭ ‬وممارسة‭ ‬المسؤولية‭ ‬الوطنية‭.‬‭- ‬فهم‭ ‬الواقع‭ ‬بروح‭ ‬نقدية‭ ‬وطنية‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬مشكلاته‭ ‬وطرح‭ ‬البدائل‭ ‬في‭ ‬معالجتها‭.‬انها‭ ‬مسألة‭ ‬غيرة‭ ‬وكرامة‭!‬ألا‭ ‬يجب‭ ‬علينا‭ ‬نحن‭ ‬العراقيين‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬أهلاً‭ ‬لها؟‭!‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى