الأقتصادية

اقتصاد العالم بعد كورونا.. تكنولوجيا تواجه سوق الزومبي

ذهب نمط الاقتصاد العالمي ما قبل فيروس كورونا بلا رجعه، تمهيدا لنظام جديد يفرض نفسه بمفاهيم مختلفة وآليات عمل وأنماط استهلاكية ستغير كل شئ، هكذا لخصت مؤسسات دولية رؤيتها لاتجاه اقتصاد العالم.

بحسب هذه الرؤية فإن التغييرات لن تقتصر على محاور محدودة ترتبط بتنامي قطاعات اقتصادية وانكماش أو اختفاء أخرى، بل تغير النظام العالمي جذريا بأكمله بما يشمل آليات العمل والتوظيف والاستهلاك والتنقل، وما يرتبط به من معاملات مالية وتجارية دولية.

انكماش عالمي مُكبل بديون ضخمة

ربما يتصور البعض أن اقتصاد العالم سينتفض سريعا عقب التوصل إلى لقاح لفيروس كورونا المستجد “كوفيد 19″، ولكن سيصطدم ذلك بفاتورة مالية ضخمة يتكبدها العالم لزيادة الإنفاق ودعم الشركات للحد من تداعيات الأزمة الراهنة.

بحسب وكالة الأنباء الأمريكية “بلومبرج” فإن الدين العالمي سيرتفع بنسبة 1.3% ليتجاوز 96% من الناتج المحلى الإجمالى للعالم في 2020، وذهبت مؤسسة الأونكتاد إلى أن التقديرات الأولية تشير إلى أنه سيكون هناك عجز بمقدار تريليوني دولار في الدخل العالمي.

وحذر صندوق النقد الدولي من أن خسائر الاقتصاد العالمي قد تبلغ 9 تريليونات دولار، متوقعا وقوع انكماش بنسبة 3% هذا العام.

سوق الزومبي

توصل الاقتصادي الدولي محمد العريان، المستشار اقتصادى لمجموعة أليانز العالمية، رئيس كلية كوينز بجامعة كامبريدج، إلى وصف للاقتصاد العالمي أطلق عليه “سوق الزومبي” سينتج عن استراتيجيات التعامل الاقتصادي مع أزمة كورونا.

وبحسب حديث العريان لصحيفة “Finanz und Wirtschaft”، فإن العالم منذ الأزمة المالية العالمية في 2008 دخل في مرحلة تسمى الوضع الاقتصادي الجديد والتي تقوم على نمو ضعيف ومعدلات فائدة منخفضة، وقد أضافت الأزمة الراهنة ثلاثة عراقيل هيكلية تعوق النمو، تتمثل في إنتاجية أقل وطلب أقل وديون أعلى.

وأوضح أن حزم الإعانات الضخمة التي تقدمها الحكومات والبنوك المركزية الدولية ستخلق مصطلح السوق الزمبي، والذي تعتمد فيه الشركات على إعانات حكومية لا تذهب إلى مسارها الصحيح.

وينطبق هذا المصطلح الذي ظهر في تسعينيات القرن الماضي في اليابان على الشركات المديَنة التي بالكاد تولد إيرادات تغطي التكاليف الثابتة والمتغيرة وفوائد الديون، دون التطرق إلى أصل الدين.

نظام عولمة جديد

وقوع أزمة في سلاسل الإمداد العالمية جراء الإغلاق التام الذي اجتاح أغلب دول العالم وتوقف حركة التصنيع، ستسفر عن تغيير نظام العولمة الحالي بأكمله.

إذ يقول كيشور محبوباني، الزميل في معهد آسيا للبحوث في جامعة سنغافورة الوطنية، في دراسة موسعة نشرتها مجلة فورين بوليسي الأمريكية إن وباء كورونا سيسرع وتيرة انتقال العالم نحو نظام عولمة جديدة مركزه الصين بدلا من الولايات المتحدة الأمريكية.

وأوضحت المجلة الأمريكية أن النظام الجديد يتسم بخصائص مختلفة تقوم على تعزيز الدول والشركات قدرتها على التعامل مع فترات طويلة من العزلة الاقتصادية والاكتفاء الذاتي.

وأشارت إلى أن الجانب الآخر من هذا النظام يتمثل في إعادة هيكلة سلاسل التوريد وشبكات التوزيع العالمية، وإنهاء فكرة تأسيس الشركات مصانع في جميع أنحاء العالم وتسليم المنتجات في الوقت المناسب دون التركيز على تكاليف التخزين، مع اعتبار أن بقاء السلع على رفوف المتاجر لبضعة أيام يعد إخفاقا.

وتوقعت المجلة أن تكون المرحلة القادمة قائمة على تقريب سلاسل التوريد من كل بلد للتحوط ضد أي اضطراب مستقبلا، وهو ما سيقلل أرباح الشركات على المدى المنظور، ولكنه يجعل النظام العالمي بأكمله أكثر مرونة للتعاطي مع التغييرات المفاجئة”.

تقلص التجارة الدولية

هذا التحول نحو الانغلاق في التعاملات الدولية سيؤدي بالطبع إلى تقلص حجم التجارة الدولية التي تعاني بالفعل من انكماش حالي.

وتتوقع منظمة التجارة العالمية أن يحدث انكماشا في التجارة بين 13% و32% في 2020، مع حدوث تغييرات مستقبلية في ظل الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، وحدوث تغييرات في نمط التعاملات الدولية.

مفهوم جديد للاستهلاك

طرح جاري شيلينج، رئيس مؤسسة جاري شيلينج أند كو الأمريكية للاستشارات في مقال نشرته وكالة “بلومبرج” تصور جديد للاستهلاك نتيجة الأنماط الحالية التي تخلقها طريقة تعامل الأفراد مع فيروس كورونا.

وتوقع أن يسود مفهوم قائم على استهلاك السلع والخدمات حتى يتم استنفاذها تماما أو الاستغناء عنها بغرض الترشيد، مما سيقلص إنفاق المستهلكين ومبيعات قطاع التجزئة.

وبرأي شيلينج هذا النمط سيخلص فائض في المعروض، من شأنه تقليل معدلات التضخم والأسعار، ومن ثم إضعاف الانتعاش الاقتصادي.

تحول نحو التجارة الإلكترونية والدفع الرقمي

على الجانب الآخر، توضح المؤشرات أن العالم يمضي بقوة صوب التحول للتجارة الإلكترونية، فيشير تقرير صادر عن مؤسسة دبي للمستقبل لاستشراف العالم ما بعد كورونا إلى أن التوقعات ما قبل الأزمة كانت تقدر الحصة المتوقعة للتجارة الإلكترونية عالميا بـ 16% لتصل إلى 26 تريليون دولار في 2020، لكن من الواضح أن تلك الحصة تجاوزت ذلك إلى أرقام قياسية حاليًا في ظل التسوق عن بعد.

هذا التحول دفع شركات التجارة الإلكترونية إلى طلب المزيد من العاملين، فعلى سبيل المثال أضافت أمازون 10 آلاف وظيفة جديدة لمقابلة هذا الطلب.

وفي سياق متصل، لفت موهيت جوشي، رئيس الخدمات المالية والتأمين والرعاية الصحية وعلوم الحياة بشركة Infosys Limited الهندية للاستشارات والخدمات التكنولوجية، في مقال نشره المنتدى الاقتصادي العالمي، إلى تسارع التحول من المدفوعات النقدية إلى الرقمية، حتى أن 31 دولة رفعت حدود الدفع بدون تلامس هذا العام لدعم تدابير الإبعاد الاجتماعي.

ومن ثم سيكون هناك دعما أكبر لزيادة الاعتماد على العملات الرقمية في تنفيذ المعاملات على الصعيدين الداخلي والدولي.

التكنولوجيا تواصل قيادة الاستثمارات العالمية

لا يحتاج أي شخص بذل عناء أو جهد حتى يلاحظ تحول العالم نحو العمل عن بعد بالمنزل وعقد اجتماعات الشركات والمؤسسات المختلفة اعتمادا على التكنولوجيا ضمن إجراءات التباعد الاجتماعي.

ولكن بحسب مؤسسة دبي للمستقبل فإن هناك اختراقات للحسابات والمنصات مثلما حدث مع تطبيق زوم الشهير لعقد المقابلات الإلكترونية والذي تعرض لثغرة أمنية استغلها مخترقون للحصول على بيانات نصف مليون حساب وعرض للبيع على شبكة الإنترنت، وهو ما يعني أن الشركات ستكون بحاجة أكبر للاستثمار في الأمن السيبراني وتكنولوجيا المعلومات، فضلاً عن مواكبة ثورة التحول الرقمي.

كما أن منصات الألعاب عبر الإنترنت والترفيه والتسلية مثل نتفليكس وأمازون برايم فيديو وديزني بلس سيكون لها نصيب كبير من الاستثمارات المستقبلة، بحسب توقعات موقع ذات كونفرزيشين البريطاني.

وظائف لن تعود بتاتا

بالتزامن مع التحول الرقمي وتزايد الاعتماد على التواصل عبر التطبيقات التكنولوجيا، لن يكون هناك مجالا لعودة العديد من الوظائف الخدمية المفقودة مرة أخرى، بحسب حديث لورا داندريا تايسون، الأستاذة بكلية هاس للأعمال بجامعة كاليفورنيا لمجلة فورين بوليسي.

وأوضحت أن حصة الخدمات في الاقتصاد ستسمر في الارتفاع، لكن نصيب الخدمات الشخصية سينخفض في تجارة التجزئة، والضيافة، والسفر، والتعليم، حيث ستؤدي الرقمنة إلى تغييرات في طريقة تنظيم هذه الخدمات وتقديمها.

كما أن بعض الصناعات الأخرى ستضرر بشدة، فعلى سبيل المثال فإن شركات الطيران ستكون بحاجة ماسة إلى دعم حكومي بقيمة 200 مليار دولارللبقاء على قيد الحياة.

طرق امتصاص البطالة

نتيجة تفاقم معدلات البطالة والتي ستلتهم قرابة 305 ملايين وظيفة بالربع الثاني من 2020 بحسب تقديرات منظمة العمل الدولية، فإن حكومات العالم ستكون مضطرة إلى ضخ المزيد من الاستثمارات في البنية التحتية لخلق ملايين الوظائف، وفقًا لرؤية رئيس مؤسسة جاري شيلينغ أند كو الأمريكية.

استثمار أكبر في الرعاية الصحية

ربما يتعلم العالم الدرس جيدا من وباء كورونا بضرورة ضخ المزيد من الاستثمارات في الأبحاث الطبية ومنشآت الرعاية الصحية، وهو ما يتنبأ به بحث نشرته مؤسسة بروكينغز وشارك في تأليفه وارويك ماكبين وروشين فرناندو من الجامعة الوطنية الأسترالية.

وبحسب البحث فإنه كان على المجتمع الدولي أن يستثمر الكثير في مجال الوقاية بما فيها الدول الفقيرة، خاصةً بعد أن أدى فيروس سارس في 2003 إلى شطب 40 مليار دولار من الاقتصاد العالمي.

متابعة / الأولى نيوز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى