مقالات

الأنا‭ ‬العليا‭ ‬والأنا‭ ‬السفلى

د. نزار محمود

يعيش‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الناس‭ ‬حالة‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬يريدونه‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يدعونه،‭ ‬وبين‭ ‬ما‭ ‬يتمنونه‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يقومون‭ ‬به‭. ‬تجلس‭ ‬أحياناً‭ ‬الى‭ ‬إنسان‭ ‬وكأنه‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يقول‭ ‬لك‭: ‬إني‭ ‬ملاك‭ ‬طاهر‭! ‬فلا‭ ‬غرائز‭ ‬له‭ ‬ولا‭ ‬شهوات‭ ‬ولا‭ ‬أطماع‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬طموحات‭! ‬بيد‭ ‬أنك‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬تكتشف‭ ‬أنها‭ ‬مسألة‭ ‬غير‭ ‬واقعية‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬الثبات‭ ‬عليها‭ ‬عند‭ ‬الغالبية‭ ‬العظمى‭ ‬من‭ ‬البشر،‭ ‬والتي‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يقاس‭ ‬عليها‭ ‬كقاعدة‭.‬ما‭ ‬الذي‭ ‬يدفع‭ ‬الانسان‭ ‬للتظاهر‭ ‬بذلك،‭ ‬وماذا‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬اليه‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬ذلك؟من‭ ‬الطبيعي‭ ‬أن‭ ‬تعمل‭ ‬الأسرة‭ ‬والمدرسة‭ ‬ودور‭ ‬العبادة‭ ‬ومؤسسات‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬تربية‭ ‬وتثقيف‭ ‬الناس‭ ‬على‭ ‬الفضائل‭ ‬وتحفيزهم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬القدوات‭ ‬الحسنة،‭ ‬وبالتالي‭ ‬حشو‭ ‬عقولهم‭ ‬الباطنة‭ ‬بالمثل‭ ‬والقيم،‭ ‬والتي‭ ‬ستشكل‭ ‬كوابح‭ ‬وروادع‭ ‬في‭ ‬سياقات‭ ‬تفكيرهم‭ ‬وسلوكياتهم‭ ‬ومواقفهم‭ ‬من‭ ‬أحداث‭ ‬الحياة‭.‬وواقعياً‭ ‬تتباين‭ ‬استجابات‭ ‬الأفراد‭ ‬لتلك‭ ‬المواعظ‭ ‬والدروس‭ ‬والتوجيهات،‭ ‬بين‭ ‬ملتزم،‭ ‬وربما‭ ‬متزمت‭ ‬بها،‭ ‬وبين‭ ‬مرن‭ ‬ومتساهل‭ ‬بالتعامل‭ ‬معها،‭ ‬وربما‭ ‬تاركاً‭ ‬لها‭. ‬ان‭ ‬هذه‭ ‬التأثيرات،‭ ‬على‭ ‬اختلاف‭ ‬درجاتها،‭ ‬ستساهم‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬بالأنا‭ ‬العليا‭ ‬للإنسان‭ ‬التي‭ ‬يتزين‭ ‬ويتباهى‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬سموها‭ ‬وطهارتها‭.‬بيد‭ ‬أنه‭ ‬تكمن‭ ‬خطورة‭ ‬“‭ ‬الأنا‭ ‬العليا”‭ ‬في‭ ‬الحالات‭ ‬التالية‭:‬‭ ‬ان‭ ‬تكون‭ ‬تلك‭ ‬الأنا‭ ‬قد‭ ‬ابتعدت‭ ‬كثيراً‭ ‬عن‭ ‬واقع‭ ‬حياة‭ ‬الانسان‭ ‬في‭ ‬حاجاته‭ ‬وغرائزه‭ ‬وميوله‭ ‬وخصوصيات‭ ‬طموحاته‭.‬‭ ‬أن‭ ‬يجري‭ ‬التعامل‭ ‬معها‭ ‬لأغراض‭ ‬المباهاة‭ ‬أو‭ ‬النفاق‭ ‬أو‭ ‬التضليل‭.‬‭ ‬وأن‭ ‬تكون‭ ‬قد‭ ‬تعايشت‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬انفصام‭ ‬مع‭ ‬“الأنا‭ ‬السفلى‭ ‬في‭ ‬اشباع‭ ‬حاجاتها‭ ‬وغدت‭ ‬ثقافة‭ ‬اجتماعية‭ ‬وسلوكية‭.‬وفي‭ ‬ما‭ ‬يخص‭ ‬“الأنا‭ ‬السفلى”‭ ‬فإنه‭ ‬يراد‭ ‬بها‭ ‬بأنها‭ ‬“أنا”‭ ‬الغرائز‭ ‬والميول‭ ‬والأهواء‭ ‬والطموحات‭ ‬لابل‭ ‬والاطماع‭. ‬وهذه‭ ‬الامور‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تجاهلها‭ ‬أو‭ ‬الغائها‭ ‬كلياً‭ ‬في‭ ‬روح‭ ‬وعقل‭ ‬ونفس‭ ‬الإنسان،‭ ‬فحينها‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬إنسان‭!‬وهنا‭ ‬نخلص‭ ‬الى‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬تستقيم‭ ‬حياة‭ ‬الإنسان،‭ ‬وهو‭ ‬ذلك‭ ‬الكائن‭ ‬الحيواني‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬دون‭ ‬“‭ ‬أنا‭ ‬سفلى”‭ ‬و‭ ‬“أنا‭ ‬عليا”‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬تفاعلاتها‭ ‬ستشكل‭ ‬“‭ ‬أناه‭ ‬الطبيعية”‭ ‬التي‭ ‬يعيش‭ ‬بموجبها‭.‬أما‭ ‬كيف‭ ‬السبيل‭ ‬وما‭ ‬هي‭ ‬نسبة‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬في‭ ‬“‭ ‬أناه‭ ‬الطبيعية”‭ ‬النموذجية،‭ ‬نقول‭:‬يجب‭ ‬ان‭ ‬تتحلى‭ ‬“‭ ‬أناه‭ ‬العليا”‭ ‬بواقعية‭ ‬إنسانية،‭ ‬وأن‭ ‬تتزين‭ ‬“‭ ‬أناه‭ ‬السفلى”‭ ‬بمثالية‭ ‬إنسانية،‭ ‬لكي‭ ‬تستقيم‭ ‬حياة‭ ‬الإنسان‭ ‬بين‭ ‬نظائره‭ ‬من‭ ‬البشر‭.‬كم‭ ‬هي‭ ‬مهينة‭ ‬صورة‭ ‬الإنسان‭ ‬ممن‭ ‬كان‭ ‬مغالياً‭ ‬في‭ ‬“أناه‭ ‬العليا”‭ ‬ثم‭ ‬أصبح‭ ‬يوماً‭ ‬غائصاً‭ ‬ومكابراً‭ ‬في‭ ‬“‭ ‬أناه‭ ‬السفلى”‭.‬؟‭!. ‬كم‭ ‬هو‭ ‬مشهد‭ ‬مخجل‭ ‬اكتشاف‭ ‬الخداع‭ ‬في‭ ‬التظاهر‭ ‬“بأنا‭ ‬عليا“‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬سوى‭ ‬كذب‭ ‬وتضليل‭!‬لنرجع‭ ‬بصدق‭ ‬وشجاعة‭ ‬إلى‭ ‬أنفسنا‭ ‬فنهذبها‭ ‬ولا‭ ‬ننسى‭ ‬حقوقها‭ ‬علينا‭.‬انها‭ ‬مهمة‭ ‬مشتركة‭ ‬للأسرة‭ ‬والمدرسة‭ ‬ودور‭ ‬العبادة‭ ‬والقضاء،‭ ‬لا‭ ‬تتحقق‭ ‬الا‭ ‬بالدور‭ ‬الفعال‭ ‬لذات‭ ‬الإنسان‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى