مقالات

الافكار البائرة تحفر خنادق العداوت

د.نزار محمود

يعيش‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬أجيالاً‭ ‬متداخلة‭ ‬في‭ ‬رؤاها‭ ‬السياسية‭ ‬وثقافاتها‭ ‬وتصوراتها‭ ‬عن‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬معناها‭ ‬وفلسفتها‭. ‬فالإنسان‭ ‬الاعتيادي‭ ‬يعيش‭ ‬جيل‭ ‬والديه،‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬وجيل‭ ‬ابنائه‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭. ‬كما‭ ‬ان‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬يعمر‭ ‬أو‭ ‬يطير‭ ‬في‭ ‬أزمنة‭ ‬متعددة‭ ‬افتراضية‭ ‬فيعيش‭ ‬بالتالي‭ ‬أجيالاً‭ ‬مضافة‭.‬ومن‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬يوفق‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬واقع‭ ‬الأجيال‭ ‬ويتعايش‭ ‬معها،‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬ينجح‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬لأسباب‭ ‬متعددة‭. ‬ومن‭ ‬هذه‭ ‬الأسباب‭:‬عدم‭ ‬التمكن‭ ‬من‭ ‬فهم‭ ‬أو‭ ‬مسايرة‭ ‬الأجيال‭ ‬الأخرى‭.‬‭ ‬عدم‭ ‬الرغبة‭ ‬في‭ ‬تفهم‭ ‬أو‭ ‬مسايرة‭ ‬الأجيال‭ ‬الأخرى،‭ ‬والتمسك‭ ‬بقناعات‭ ‬وافكار‭ ‬جيله‭ ‬أو‭ ‬عالمه‭ ‬الخاص‭.‬الإلتزام‭ ‬بعقائد‭ ‬دينية‭ ‬أو‭ ‬سياسية‭ ‬لا‭ ‬يستطيع،‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬برغب‭ ‬في‭ ‬الحياد‭ ‬عنها‭.‬في‭ ‬العراق‭ ‬يعيش‭ ‬حشد‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬والكتاب‭ ‬والشعراء‭ ‬والسياسيين‭ ‬والمفكرين‭ ‬بين‭ ‬طيات‭ ‬أجيال‭ ‬مختلفة‭.‬وبخصوص‭ ‬ما‭ ‬ذهبنا‭ ‬اليه‭ ‬تجابهك‭ ‬أقلام‭ ‬وأفواه‭ ‬تصر‭ ‬الا‭ ‬والتغني‭ ‬بخطابات‭ ‬تقليدية‭ ‬اعتادت‭ ‬وبقت‭ ‬تصر‭ ‬عليها‭ ‬وقد‭ ‬مضى‭ ‬عن‭ ‬من‭ ‬تعنيهم‭ ‬قرن‭ ‬ونيف‭ ‬من‭ ‬الزمان‭.‬فالشيوعيون‭ ‬ما‭ ‬انفكوا‭ ‬يتحدثون‭ ‬عن‭ ‬رجعية‭ ‬الملكية‭ ‬ونازية‭ ‬القوميين‭ ‬وفاشية‭ ‬الانظمة‭ ‬الدكتاتورية‭.‬والبعثيون‭ ‬لا‭ ‬يتوقفوا‭ ‬عن‭ ‬عمالة‭ ‬الشيوعيين‭ ‬للاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬والحاديتهم‭ ‬في‭ ‬فلسفتهم‭ ‬الحياتية‭.‬أما‭ ‬الاسلاميون‭ ‬من‭ ‬السُنة،‭ ‬وربما‭ ‬من‭ ‬السلفيين،‭ ‬فلا‭ ‬زالوا‭ ‬يكفرون‭ ‬القوميين‭ ‬والبعثيين‭ ‬والشيوعيين،‭ ‬ويصروا‭ ‬على‭ ‬الحكم‭ ‬بما‭ ‬أنزل‭ ‬الله،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬ينتظر‭ ‬المتطرفون‭ ‬الشيعة‭ ‬عودة‭ ‬المهدي‭ ‬ويتوسلون‭ ‬ولاية‭ ‬الفقيه‭ ‬في‭ ‬طهران‭ ‬للبقاء‭ ‬في‭ ‬المشهد‭.‬ان‭ ‬واقع‭ ‬الأمر‭ ‬انهم‭ ‬جميعاً‭ ‬يعيشوا‭ ‬واقعاً‭ ‬متخيلاً‭ ‬في‭ ‬عقولهم‭ ‬وهوى‭ ‬يسري‭ ‬في‭ ‬عروقهم‭ ‬ورؤى‭ ‬فكرية‭ ‬ملأت‭ ‬رؤوسهم‭. ‬انهم‭ ‬جميعاً‭ ‬يعيشون‭ ‬خارج‭ ‬الزمن‭ ‬الحاكم‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬اليوم،‭ ‬ويصرون‭ ‬على‭ ‬ايقاف‭ ‬عجلة‭ ‬تطور‭ ‬التاريخ‭. ‬انهم‭ ‬باختصار‭ ‬شديد‭: ‬اقلام‭ ‬بائرة‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يكتبون،‭ ‬وشعارات‭ ‬اصبحت‭ ‬مثل‭ ‬صيحات‭ ‬في‭ ‬آذان‭ ‬أجيال‭ ‬لا‭ ‬تفهم‭ ‬معانيها‭!‬لقد‭ ‬عاشت‭ ‬احلام‭ ‬القومية‭ ‬عقود‭ ‬زمانها،‭ ‬ولم‭ ‬تفطن‭ ‬الى‭ ‬اشتراطات‭ ‬واقعها‭ ‬وظروفه‭. ‬كما‭ ‬امتلكت‭ ‬دول‭ ‬المعسكر‭ ‬الشيوعي‭ ‬الجرأة‭ ‬لتضع‭ ‬حداً‭ ‬لتراجعها‭ ‬عن‭ ‬مواكبة‭ ‬تقدم‭ ‬الدول‭ ‬الاخرى،‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬الأسباب‭.‬كما‭ ‬جربت‭ ‬الأحزاب‭ ‬والآيدولوجيات‭ ‬السياسية‭ ‬الدينية‭ ‬والطائفية،‭ ‬ولا‭ ‬زالت‭ ‬تصر‭ ‬على‭ ‬التجريب،‭ ‬لكنها‭ ‬لم‭ ‬تنته‭ ‬الى‭ ‬نجاح‭ ‬ولن‭ ‬تنتهي‭.‬ان‭ ‬كل‭ ‬طرف‭ ‬أخطأ‭ ‬في‭ ‬حساباته‭ ‬الفكرية‭ ‬والسياسية‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬الزمان‭ ‬بما‭ ‬يحمله‭ ‬من‭ ‬متغيرات‭ ‬دائمة‭ ‬في‭ ‬عقول‭ ‬ونفوس‭ ‬وأمزجة‭ ‬البشر‭ ‬المختلفة‭.‬لكنها‭ ‬الروح‭ ‬الثأرية‭ ‬وحب‭ ‬الأنا‭ ‬والاصرار‭ ‬على‭ ‬صوابها‭ ‬وهواها‭ ‬في‭ ‬الغلبة‭ ‬ما‭ ‬يدفع‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المثقفين‭ ‬السياسيين‭ ‬على‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬طروحات‭ ‬اوراقهم‭ ‬الصفراء‭.‬ان‭ ‬هذه‭ ‬العقلية‭ ‬والثقافة‭ ‬والسلوك‭ ‬سبب‭ ‬تثوير‭ ‬العداوات‭ ‬وتعميق‭ ‬حفر‭ ‬الخنادق،‭ ‬ويلهينا‭ ‬عن‭ ‬الاهتداء‭ ‬الى‭ ‬سبل‭ ‬البناء‭ ‬وتعويض‭ ‬ما‭ ‬فاتنا‭ ‬عبر‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬أزمان‭ ‬الضلالة‭ ‬والعبث‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى