مقالات

التعليم الالكتروني بين تأييد ورفض

الكاتب : د.محمد فلحي

وزارة التربية أعلنت عن إطلاق منصة تعليمية إلكترونية،سوف تعمل على تعويض المواد الدراسية للطلبة خلال مدة الانقطاع التي نجمت عن الظروف الاستثنائية،وكانت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي قد دعت لتفعيل التعليم الإلكتروني منذ بداية العام الدراسي الحالي،وأكدت خلال الأيام الماضية على ضرورة استمرار التواصل العلمي الإلكتروني التفاعلي بين الأساتذة والطلبة خلال ظروف التعطيل الطارئة.

العملية التعليمية،في العراق،تأثرت منذ سنوات عدة بظروف عدم الاستقرار السياسي والأمني،ولكن العام الدراسي الحالي تعرض لظروف قاهرة،حرمت الكثير من الطلبة من الدراسة المنتظمة،وبخاصة في المحافظات التي تشهد تظاهرات مستمرة منذ أكثر من خمسة أشهر،وأغلب المشاركين فيها،كما هو معروف، من طلبة المرحلتين الثانوية والجامعية،ثم جاءت أزمة فايروس كورونا لتوجه ضربة قاسية غير متوقعة للتعليم،نتيجة تعطيل الدراسة لأغراض وقائية خشية انتشار الوباء الجديد، وذلك في توقيت حرج يكاد يضّيع فرصة العودة إلى مقاعد الدراسة.

هذه التحديات جعلت الدعوات تتزايد من قبل المختصين من أجل البحث عن وسائل بديلة لإنقاذ التعليم من أزماته ومعوقاته،وبخاصة في ظل ظروف التعطيل والانقطاع،ولا شك أن البديل الأفضل المتاح حالياً هو التعليم الإلكتروني، الذي يمثل ثورة معرفية وعلمية جديدة،شهدها العالم  منذ مطلع القرن الحادي والعشرين،لكن العراق لم يستطع الاندماج بهذه البيئة الإلكترونية حتى اليوم ولم يستفد من منجزاتها الهائلة،وظل النظام التعليمي السائد يعتمد الأطر التقليدية التلقينية،وقد استفزت الظروف الحالية القدرات الكامنة في العقول العاملة في هذا القطاع،وكشفت عن بعض المبادرات والمشاريع في المدارس والجامعات لتفعيل نظام التعليم الإلكتروني ومحاولة ربطه مع النظام التقليدي لإنقاذه في الوقت الضائع!

قد يبدو مفهوم التعليم الإلكتروني جديداً،وهو جزء من ثورة تقنيات المعلومات وشبكة الإنترنيت،لكن خطواته التمهيدية تعود إلى بدايات القرن العشرين حيث استخدمت الإذاعة المسموعة(الراديو) كوسيلة تعليمية،لمخاطبة المتعلمين عن بعد،ثم جاء التلفزيون بخصائصه الاتصالية المعروفة، وأبرزها التكامل بين الصوت والصورة، ليضيف تجربة تعليمية مهمة تمثلت بقنوات التلفزيون التربوي والتعليمي التي ما تزال فاعلة في كثير من الدول،لكن مفهوم التعليم الإلكتروني المعاصر يقوم على استخدام الوسائط الالكترونية المتعددة والتفاعلية عبر الكومبيوتر والانترنت في الاتصال بين المعلمين والمتعلمين، وبين المتعلمين والمؤسسة التعليمية،وقد ظهرت عدة مصطلحات باللغة الإنجليزية حول هذا المفهوم من أهمها:

إن من أهم خصائص التعليم الإلكتروني:

1- توسيع مفهوم عملية التعليم والتعلم لتتجاوز الحدود الجغرافية وجدران الفصل التقليدي الى بيئة اتصالية معلوماتية غنية متعددة المصادر، وتلعب تقنيات التعليم التفاعلي عن بعد دوراً أساسياً تعاد فيه صياغة دور كل من المعلم والمتعلم،فيكون المعلم مشرفاً وموجهاً،في حين ينشط المتعلم ويتفاعل ويتابع ويبدع.

2- يعتمد التعليم الإلكتروني على تقنية الكومبيوتر والانترنت في دعم واختيار وإدارة عملية التعليم والتعلم والاختبارات والدرجات،وذلك عبر بوابات أو مواقع تعليمية متخصصة مثل نظام MODLLE  أو نظامCLASS ROOM فضلاً عن مواقع المدارس والجامعات الإلكترونية ومواقع التواصل الإجتماعي،وكل من هذه البوابات توفر خدمات ومزايا متعددة تسمح بالتواصل النشيط وتبادل المعلومات الفوري بين المعلم والمتعلم خارج حواجز الزمان والمكان.

3- التعليم الالكتروني ليس بديلاً للمعلم بل يعزز دوره كمشرف وموجه،وهو لا يلغي المؤسسة التعليمية،لكنه يتخطى جدران الصف الدراسي التقليدي،ويوصل المادة التعليمية بطريقة جذابة إلى المتلقي،وذلك عبر التطبيقات والبرامج الحاسوبية،سواء كانت نصوص أو صور أو أصوات أو أفلام، ودمجها في ما يسمى الوسائط المتعددة(MULTI MEDIA) باستخدام الشاشات الذكية والأجهزة اللوحية والهواتف،فيكون التواصل والتفاعل مستمراً وساخناً طوال الوقت الذي يختاره المستفيدون!

4- إن الحاجة إلى التعليم الإلكتروني باتت مستمرة سواء في الظروف الاعتيادية أم الطارئة،لكنها تشتد في أوقات الأزمات التي تمنع الأستاذ والطالب من اللقاء المباشر، لأسباب أمنية أو صحية مثلاً،وقد تكون حلاً بديلاً لنقص الكوادر التدريسية أو عدم توفر البنايات أو نقص الأموال!

في بلدنا الذي يعاني من أزمات مستمرة،وهدر في الثروات والأوقات،هناك الكثير من المعوقات التي تجعل من تجربة التعليم الإلكتروني ليست حلاً سحرياً كما يتخيل بعض المعنيين،فهي تتطلب قبل كل شيء تدريب المعلم والمتعلم على الدخول إلى البيئة الإلكترونية التعليمية،وكيفية استخدامها،وذلك بعد إقناعهم بفوائدها،ومن ثم توفير المستلزمات التقنية والأجهزة المطلوبة، التي تعمل من خلال خدمة الإنترنيت العالية السرعة، وأن الإتصال المستمر بشبكة الإنترنيت يشكل العصب الرئيسي المحرك للعملية كلها،فهل  مؤسساتنا التربوية والتعليمية مستعدة لهذا التحول أم أنها ما تزال تعاني من الإدارة البيروقراطية الورقية،وما تزال كوادرها التعليمية مترددة في اقتحام الميدان الإلكتروني؟!

وعلينا أن نتساءل أخيراً،متى تعيد وزارتا التربية والتعليم العالي النظر في معايير الاعتراف العلمي بالمؤسسات التعليمية والجامعات الإلكترونية التي ما تزال تعتبرها نوعاً من التعليم عن بعد أو بالمراسلة،وتطبق عليها قرارات صدرت قبل نحو نصف قرن في حرمان طلبتها من شهاداتهم العلمية، رغم أن العالم كله يسير نحو التعليم الإلكتروني في عصر طوفان المعلومات!؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى