مقالات

الدساتير..زمان كتابة وزمان تطبيق

د. نزار محمود

الدستور‭ ‬نضح‭ ‬سياسي‭ ‬وتشريعي‭ ‬وقانوني‭ ‬وقبل‭ ‬هذا‭ ‬وذاك‭ ‬أخلاقي‭ ‬وإنساني،‭ ‬يقوم‭ ‬لتنظيم‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬مواطني‭ ‬بلد‭ ‬ما،‭ ‬محدداً‭ ‬أبعاد‭ ‬حقوقهم‭ ‬وواجباتهم‭ ‬تجاه‭ ‬المجتمع‭ ‬الذي‭ ‬فيه‭ ‬يعيشون‭. ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬يستلهم‭ ‬في‭ ‬روحه‭ ‬قيم‭ ‬وعادات‭ ‬وتقاليد‭ ‬ذلك‭ ‬المجتمع‭ ‬الحية‭ ‬المتفاعلة‭ ‬مع‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬تطورها،‭ ‬والمستند‭ ‬الى‭ ‬ماضي‭ ‬يعتز‭ ‬به‭ ‬والى‭ ‬حاضر‭ ‬يقوم‭ ‬عليه‭ ‬ومستقبل‭ ‬يصبو‭ ‬له‭.‬وعليه‭ ‬فإن‭ ‬الدساتير‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تلد‭ ‬ولا‭ ‬تحمل‭ ‬ما‭ ‬ذهبنا‭ ‬اليه‭ ‬من‭ ‬صفات‭ ‬ومواصفات‭ ‬وأسس‭ ‬لا‭ ‬تصبح‭ ‬طبيعية‭ ‬في‭ ‬روحها‭ ‬ونصوصها‭ ‬وسلاسة‭ ‬تطبيقها‭ ‬على‭ ‬افراد‭ ‬المجتمع‭. ‬إن‭ ‬أجمل‭ ” ‬البدلات‭” ‬وأكثرها‭ ‬إناقة‭ ‬لا‭ ‬تلائم‭ ‬جميع‭ ‬الأجسام‭ ‬ولا‭ ‬تليق‭ ‬ببعضها‭ ‬البعض‭.‬من‭ ‬هنا‭ ‬فشلت‭ ‬وتفشل‭ ‬أغلب‭ ‬محاولات‭ ‬تجارب‭ “‬فرض‭” ‬دساتير،‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬كانت‭ ‬مثالية‭ ‬أو‭ ‬نموذجية،‭ ‬على‭ ‬مجتمعات‭ ‬بشرية‭ ‬لا‭ ‬تتوافق‭ ‬في‭ ‬استعداداته‭ ‬وخصوصياتها‭ ‬ومراحل‭ ‬تطورها‭ ‬مع‭ ‬تلك‭ ‬الدساتير‭.‬ان‭ ‬مراجعة‭ ‬سريعة‭ ‬لتطبيقات‭ ‬الدساتير‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬الدول‭ ‬دستورية‭ ‬تؤكد‭ ‬حقيقة‭ ‬أثر‭ ‬الواقع‭ ‬ومعطياته‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬التطبيقات‭ ‬وتطوراتها،‭ ‬أو‭ ‬ربما،‭ ‬الوقوف‭ ‬على‭ ‬انحرافات‭ ‬ونفاق‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬التطبيقات‭.‬لقد‭ ‬حصل‭ ‬ويحصل‭ ‬أن‭ ‬سقطت‭ ‬أو‭ ‬أسقطت‭ ‬أنظمة‭ ‬سياسية‭ ‬بسبب‭ ‬غياب‭ ‬دساتير‭ ‬لها‭ ‬أو‭ ‬ضعفها‭ ‬وتخلفها،‭ ‬ثم‭ ‬جرت‭ ‬محاولات‭ ‬استيراد‭ ‬أو‭ ‬فرض‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬التصويت‭ ‬‭” ‬الغوغائي‭” ‬على‭ ‬دساتير‭ ‬لها،‭ ‬لكنها‭ ‬ما‭ ‬دامت‭ ‬سوى‭ ‬فترات‭ ‬قصيرة‭ ‬ليعيش‭ ‬ابناء‭ ‬مجتمعاتها‭ ‬حالات‭ ‬الانفصام‭ ‬أو‭ ‬التلاعب‭ ‬والتحايل‭ ‬عليها‭ ‬أو‭ ‬تجاهلها‭ ‬كلياً‭.‬الخلل‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬ان‭ ‬هذه‭ ‬المجتمعات‭ ‬بحاجة‭ ‬الى‭ ‬دساتير‭ ‬تلائم‭ ‬مراحل‭ ‬تطورها‭ ‬الانساني‭ ‬والوطني‭ ‬والاخلاقي،‭ ‬ووعيها‭ ‬السياسي‭ ‬والقضائي‭. ‬كما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكمن‭ ‬الخلل‭ ‬في‭ ‬اجهزة‭ ‬ومؤسسات‭ ‬حماية‭ ‬تلك‭ ‬الدساتير‭. ‬وهنا‭ ‬يقوم‭ ‬جدل‭ ‬وقد‭ ‬يتحول‭ ‬الى‭ ‬جدل‭ ‬عقيم‭ ‬بين‭ ‬المدافعين‭ ‬عن‭ ‬قدسية‭ ‬الدساتير‭ ‬ومنظريها،‭ ‬والقائمهم‭ ‬اللوم‭ ‬على‭ ‬القائمين‭ ‬على‭ ‬تنفيذها،‭ ‬وبين‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يرون‭ ‬فيها‭ ‬ملاءمة‭ ‬لواقع‭ ‬مجتمعاتهم‭ ‬وتطلعاتها‭.‬فدستور‭ ‬المحتل‭ “‬بريمر‭” ‬الذي‭ ‬أجبر‭ ‬القوى‭ ‬السياسية‭ ‬العراقية‭ ‬على‭ ‬المصادقة‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الاسراع‭ ‬في‭ ‬تشريع‭ ‬غنائمهم،‭ ‬هو‭ ‬مثال‭ ‬صارخ‭ ‬على‭ ‬دستور‭ ‬لا‭ ‬يناسب‭ ‬العراق‭ ‬دولة‭ ‬وشعباً‭ ‬وسيادة،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬اخلاقه‭ ‬الوطنية‭ ‬ودوره‭. ‬وهكذا‭ ‬نرى‭ ‬الشعب‭ ‬بكل‭ ‬قواه‭ ‬يخوض‭ ‬منذ‭ ‬احتلاله‭ ‬ووضع‭ ‬دستوره‭ ‬وانتخاباته‭ ‬معركة‭ ‬مستنقعات‭ ‬وأوحال‭ ‬زلقة‭!‬‭ ‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى