مقالات

“الصحة تاج على رؤوس الأصحاء… لا يراه سوى المرضى”

الكاتب : سعد بن طفلة العجمي

قد لا يستغرب القارئ الكريم أن أكتب هذه المقالة عن “كورونا”، فـ”كورونا” حديث قريتنا الكونية، العالم متوقف اليوم بسبب هذا الفيروس، والهلع ينتاب الكرة الأرضية، بسبب هذا الوباء الذي اجتاح معظم دول العالم.

ولن أثقل على القارئ الكريم بتقديم النصائح الطبية والإجراءات الاحترازية وكيفية الوقاية والعلاج من هذا المرض لسببين: الأول أنني لست بطبيب، والثاني أن القارئ لم يعد تنقصه نصائح ولا إرشادات، فقد تحوّل البشر المستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي (السوشيال ميديا) إلى أطباء ومتخصصين في هذا المرض، كل ما يلزمك هو أن يكون لديك حساب على أي من وسائل التواصل الاجتماعي، لكي تسمع وترى وتقرأ وتنشر المعلومات الطبية المتعلقة بهذا المرض.

لا أظن أن هناك من لديه حساب على “السوشيال ميديا” بالعالم إلا وأدلى بدلوه حول هذا “المرعب” القاتل، وراح الكل يخوض بأسبابه وأعراضه والوقاية منه وعلاجه، بل دخل بعض السفهاء والحمقى بتفاسير لمصدره من دولة بعينها لتلحق الضرر ببلاده!

وراح آخر أكثر حمقاً وغباءً يفسّر هذا المرض بالمؤامرة التي اصطنعت بمختبرات أميركية لضرب الاقتصاد الصيني، ولا أعرف كيف اكتشف هذا “العبقري” ذلك قبل الصين نفسها، ناهيك بأن المرض وصل إلى أميركا وقتل بعض مواطنيها! وأوردت الوكالات أنباءً عن مسؤول بالحرس الثوري الإيراني يقول إن “كورونا حرب جرثومية أعلنها أعداء الإسلام على إيران الإسلامية”! ولا تعليق!

لكني، سأتناول “كورونا” من الزاوية اللغوية، فالكلمة من اللاتينية، وتعني التاج، وسُميت الفيروسات التي ينتمي إليها فيروس “كورونا 19” بالفيروسات التاجية، لأنها تشبه التاج تحت المجهر.

ولعل الكلمة اللاتينية مقاربة لكلمة “قرن” بالعربية، وجمعها “قُرون”، والتشابه هنا واضح، فالتشابه بالشكل واللفظ يصاحبه غالباً تشابه وتقارب بالمعنى، فالتاج رمزٌ للأبهة والسلطة، والملوك هم من يلبسون التيجان، والعروس تلبس في ليلة عرسها تاجاً على رأسها، كناية عن رتبتها ومكانتها وأهميتها، فهي تتشبه بالأميرات اللاتي يلبسن التيجان.

ويقول البدو إنّ “فلاناً قرن من قرون الدنيا”، أي إنه داهية من الدهاة، ووردت في المعاجم أنّ المرأة القرن هي المرأة العظيمة، والقرن 100 عام، ولعل تلك الحسبة ارتبطت بالقرن، لأنّ أعمار بعض المواشي تقاس بالحلقات التي على قرونها، والمثل: “لا حجّت البقر على قرونها”، يقال كناية عن استحالة حدوث أو تحقيق أمر ما.

والقرن عند البدو يعني الشعر الطويل، فيقال “فلانة لها قرون تسبح في حضنها كأنها سبيب مهرة”، كناية عن الجمال، فمن علامات جمال المرأة في الماضي أن تكون لها ضفائر شعر طويلة، أي قروناً مدْريّة يُجرى تسريحها وإظهار طولها وجمالها، وترد الجديلة والضفيرة في الشعر بوصف جمال شعر المرأة إلى جانب قرون الشَّعر، فقال الشاعر الشعبي سليمان بن شريم (تُوفي 1944) بيتاً في وصفها من قصيدة طويلة:

“أبو قرون تغذّى بالشمطري   مثل السفايف على كور النجيبة”

والماشية التي لا قرون لها هي جماء، ومن الأمثلة الشعبية “الجمة وأم قرون”، كناية عن عدم تكافؤ المواجهة، ويذكّرني هذا المثل بمن يواجه حمى “كورونا”، والتصدي لها بسلاح “خرابيط” (السوشيال ميديا).

ومن المفارقة، أن “قارون” أشهر أثرياء قوم النبي موسى ورد معناه في الآرامية، وهي لغة اليهود والنصارى بالإنجيل والتوراة، بمعنى الصلع، في حين يظن القارئ لاسم “قارون” أول وهلة بأنه صاحب قرون طويلة وقوية.

تعمّدت أن آخذ القارئ الكريم في رحلة لغوية قصيرة تتجاوز مرض حمى “كورونا” التاجية السائدة في الإعلام أكثر من انتشارها بين الأنام، ومحاولة لتخفيف الهلع الذي لن يقي من المرض، متمنياً لكل إنسان تاجاً من الصحة (وليس تاجاً من كورونا) على رأسه، عملاً بالقول الشائع “الصحة تاج على رؤوس الأصحاء، لا يراه سوى المرضى”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى