مقالات

الفساد نتاج مجتمعي

سالم مشكور

التاسع من الشهر الحالي هو اليوم العالمي لمكافحة الفساد. الفساد يتسع في جميع العالم وجهود مكافحته متواضعة، وبعضها جزء من الفساد نفسه. في العراق نموذج صارخ للفساد الذي يعشّش في كل المفاصل والمستويات، ويكبّل كل جهد للنهوض. الفساد مستويان، كبير بمبالغه التي وصلت الى المليارات، وشخوصه الذين يحتلّون مواقع عليا في النظام السياسي، وفساد يسميه البعض صغيراً يتمثل في الرشاوى الصغيرة على مستوى موظفين أو ابتزاز مالي يقوم به مقدم خدمات لا يكتفي بأجره الشرعي الحلال.

بعض الادبيات يسمّي الفساد الصغير بالثانوي، فيقلل من شأنه ليركز على الفساد الكبير الذي تمارسه الحيتان.

هنا مكمن الخطورة. الفساد الصغير عندما يتفشى سيشكل بيئة اجتماعية ونفسية لممارسة الفساد الكبير وتزويقه بالعناوين التبريرية. الخطر كل الخطر في أن يتحول الفساد الصغير الى ثقافة مجتمع، ويتحول المجتمع الى مدافع عن حالات الفساد في المستويات الدنيا بذريعة أن الأخطر هو الفساد الكبير بمبالغه وشخوصه.كثيراً ما أنشر عن ظواهر فساد على مستويات دنيا، مثل المبلغ الإضافي الذي يأخذه عامل محطة البنزين من الزبائن من دون حق حتى بات عرفاً، وصاحب منفذ كي كارت الذي يقتطع من رواتب الموظفين والمتقاعدين مبلغاً يؤكد المسؤولون انه بغير حق. المفاجأة أن أغلب المعلقين ينبرون الى الدفاع عن هذه التصرفات الفاسدة، مبرراتهم أنها مبالغ صغيرة، وان هؤلاء “على باب الله”، و”لماذا لا يتكلمون عن الفساد الكبير الذي تمارسه الحيتان” وغيرها من الردود التي تشرعن الفساد الصغير وتحوله الى ثقافة عامة وأرضية للفساد الكبير حينما تسنح الفرصة بتبوء موقع رسمي، أو سياسي بعد أن يكون “قبح” الفساد قد زال من الوعي وبات اسمه “استفادة” ومعياره القدرة على النهب وليس شرعيته من عدمها.الفاسدون الكبار هم نتاج هذا المجتمع، الذي يبرر للفساد الصغير، ويكون بيئة خصبة لإنتاج فاسدين كبار يظل يئن منهم ويشتكي من فسادهم، بينما يستمر في الدفاع عن الفاسدين الصغار وتبرير فعلتهم ليكونوا فاسدين كبارا متى سنحت لهم الفرصة.

مشكلتنا في ضياع البوصلة وفي اختلاط المعايير وانهيار منظومة القيم الأخلاقية التي تجعل مجتمعنا منتجاً للفساد بكل أشكاله، وشاكياً باكياً منه في آن واحد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى