مقالات

المرأة والعنف السكوت علامة رضا

المرأة والعنف السكوت علامة رضا – تقوى الوائلي

اجتمع الرجال في غرفة الضيوف فيما اتخذت النساء من المطبخ مكانا للاجتماع والمناسبة ، كانت محاولة لحل ما اسموه خلافا عائليا فيما اسمه الحقيقي فاجعة فتاة تتعرض للضرب من زوجها بشكل دائم ومستمر ، وكانت الفتاة لائذة في حضن امها راجية ان توفر لها بعضا من الامان الذي تفتقد ، فيما الام تذرف الدموع بصمت .كانت الاخوات وبعض النساء المقربات التي كنت احداهن ننتظر بقلق ما يسفر عنه اجتماع الرجال ، وبعد دقائق جاء الاب ليعلن انه تم الاتفاق على ان تعود الفتاة الى بيت زوجها مع وعد بالمحاولة في ان يكون اقل قسوة ، قلت له لكن ابنتك لا تريد العودة اليه فقال لها هل صحيح هذا الكلام ، وهنا سكتت البنت فكرر السؤال وايضا كان الرد صمتا ، فحينها قال السكوت علامة الرضا سأخبرهم انك قد قبلت .وما ان خرج الاب حتى بادرتها بالسؤال لماذا سكت ، قالت ان ابي لا يقل عنفا عن زوجي ولن يقبل ان اكسر اتفاقه وقالت الاخت الكبرى كلنا نسكت في هذه المواقف لأن ثمن الكلام كبير . لطالما كانت الكتابة عن شؤون النساء امر يكتنفه الكثير من الصعوبة ، اذ يجد المرء نفسه مضطرا للصدام مع جهات عدة تتناقض في مبادئها وخلفياتها الا انها تجمع على موقف موحد من العنف الواقع على النساء ، غير ان المحاولة قد اصبحت ملحة لأعادة الامور الى نصابها وتعديل البناء المعوج وهذا الذي دفعني الى كتابة هذا المقال لنعيد معا النظر الى الامور من زوايا غير تلك التي اعتدناها ومن بينها نظرتنا الى الصمت وتفسيره في كل الحالات على انه رضا ، وهي حجة لطالما تمسك بها المدافعون عن حق الرجل في تعنيف المرأة وان النساء في اغلبهن راضيات عن العنف الذي يتعرضن له كما يدعون ولولا ان بعضهم وقف محرضا النساء على الرفض لبقيت الاسرة تعيش في نعيم ازلي .وقد تناسى اولئك المدافعون عن العنف ان الصمت ، انما مرجعه الى ان النساء على مر العصور هن الطرف الاضعف حينما كان قانون الغاب المستند الى معيار القوة هو السائد ، ولو كان هناك رجلا متفوق بمعايير القوة تجعله متبوعا من رجل اخر اقل منه قوة وكان مضطرا لتقديم الطاعة والاذعان فهل سيكون صمته عن الاذى دلالة رضا ، ام هو صمت المغلوب على امره الذي لا يطيق ثمن الاعتراض ذاك الثمن الذي قد يكون حياته ذاتها او حتى حياة من يهتم لأمرهم .وذاته حال المعنفات وهذا ما اكده اقبال النساء على الشكوى في مراكز الاسرة بمجرد اتاحتها ، رغم ضعف الاليات وبدائية الطرق الحمائية كل عام نشهد تصاعدا في عدد الشكاوى المقدمة ، فقد ذكر تقرير صادر عن مجلس القضاء الاعلى في العام 2019 تسجيل نحو 17 الف حالة عنف اسري في عام واحد ، وبطبيعة الحال فأن الرقم لا يعبر عن العدد الحقيقي للحالات ، اذ يشير المختصون الى ان الرقم الفعلي اكبر من ذلك ، غير انه يصلح دليلا على تزايد حالات الشكوى وان النساء غير راضيات. ومن الجدير بالذكر ان غالبية المتقدمات بشكاوى العنف الاسري هن من ذوات التعليم البسيط او غير المتعلمات ، واللاتي لا علاقة لهن بالحركات النسوية انما يشتكين بدافع الرفض الفطري والذي اتاحت له الظروف الحالية ان يظهر للسطح .الامر الاخر علينا ان نتذكر ان ما من طبقة مستعبدة او مهانة على مر التاريخ ، قد طالبت بالحرية او جاهرت بالرفض دفعة واحدة وكل حركات التحرر تبدأ ببضعة اشخاص وتنتهي الى تحرير الجميع ، وان هذا الجميع الذي ظل صامتا لم يكن راضيا وانما فقط كان ضعيفا غير واثقا بقدراته وما ان تتفتح بصيرته حتى تجده قد ساند تلك القلة وحينها فقط يفهم السجان (متأخرا) ان الصمت ما كان رضا .وكذلك الحال بالنسبة للنساء فأن التربية التي تتلقاها الفتيات منذ اعوام الطفولة الاولى تفرض عليها مفاهيم تجعلها مهيئة لتقديم فروض الطاعة اللاواعية ، ويفرض عليها ان تنظر الى نفسها على انها نقيض الرجل فإذا كان للرجل ارادة حرة وقدرة على اصدار الاوامر فأن للمرأة ان تتميز بالخضوع والاستسلام والطاعة ، وعملية التدجين هذه تغيب الارادة الحرة للأنثى ،ولا اعتقد ان الصمت الصادر عن ارادة مسلوبة يصلح ان نفسره رضا .ومن الملاحظ ان هناك تفاوتا ملحوظا في اعداد النساء اللواتي يقدمن على التبليغ عند تعرضهن للعنف سواء في المنطقة العربية او في النطاق الاقليمي والعالمي ، غير ان هذا التفاوت يرتبط بصورة مباشرة بما تسنه الدولة من تشريعات تحد بواسطتها من سطوة العادات ، وبما توفره من سبل الحماية والتسهيلات للوصول الى مراكز الشكوى وكلما كانت معايير هذه الامور مرتفعة يوازيها ارتفاع في اعداد المقبلات على طلب الحماية من العنف ، وهذا يعني ان سكوت النساء يعود الى ظروف محيطة بهن ونقص في التشريعات وقصور في فهم المحيطين وليس رضا .اعتقد انك تتفق معي عزيزي القارئ بضرورة اعادة النظر بمفهوم الصمت ، خاصة عندما يكون هو ردة الفعل الوحيدة التي تبديها الضحية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى