مقالات

الوطن الرقم الذي لا يقبل القسمة على أثنين

الوطن الرقم الذي لا يقبل القسمة على أثنين – علي الشكري

ليس بعد الوطن شيء ، وليس قبله مقدم ، فيه العزة والرفعة والكرامة ، بين جنباته الأمن والأمان والطمأنينة ، وفي سجله التاريخ والحاضر والمستقبل ، في ارضه المولد والعيش والرحيل ، يولد الإنسان بوثيقة تحمل أسم الوطن ويرحل ويوارى الثرى بوثيقة موشحة بشــــعار الوطن .في الإنسان نزعة الاطلاع على الآخر ، قد تبهره المظاهر ، وقد تجذبه المدنية ، وقد يأخذه الـــــعمران ، فيذهب مقارناً ، منتقداً ، مذكراً ، لكن حنينه الى الوطن يبقــــى قائم شاخص دائم . الغربة ليست خيار واختيــــــار ورغبة وتطلع ، لكنها حاجة وضرورة ، وفي كثير من الأحيان قدر لا مــــــفر منه ، قد يكون داعي الــــــغربة الأمن ، وأحيانا التطلع ، وربما البحث عن الأفضل ، وهو الاســـــتثناء ، فأبن الوطن سيد وإن جار عليه الحاكم ، وألجأته الظروف ، وكبلته مستلزمات الحياة ، من أجل هذا قيل في الوطـــــن ، من أجل أن لا تكسر الشظايا زجاج الوطن غلفوه ، وقيل في الوطــــن أن حبه من الإيمان .ليس أغنى من العراق وطن ، ولا أعمق منه أرث ، ولا أخصب منه أرض ، ولا أشرف منه عرض ، ولا أوفر منه غيرة ، ولا أغزر منه علم ، في أرضه الحرث والثروة ، وفي تاريخه الأصالة الضاربة في عمق التاريخ ، وفي نسائه الشرف كله ، وفي رجاله الغيرة التي لا غيرة بعدها ، العلم عند علمائه ، والورع عند رجال دينه ، وهل خلق الله مثل هذا الوطن ، هو السر المستودع ، واللغز المحير ، والعصي الذي أرق كل جبار ، من أجل هذا ناصبه الأجنبي العداء ، واجتماع طغاة الأرض بقصد إذلاله .ليس في العالم بلاد لا تتنازع المصالح شعبها ، ولا تتصارع الأحزاب والكيانات على اعتلاء سدتها ، ولا يتوزع شعبها بين قوميات واديان ومكونات وانحدارات ، فليس من الشعوب من توحد فيه الدين والانحدار والقومية والمكون ، لكن المائز بين شعب وشعب ، شعب تعلق بأستار وطنه ، وتشبث بتراب أرضه ، وتغنى بتاريخه حاضره وتطلع الى مستقبله ، وشعب تنكر لخيره ، وتناسى ماضيه ، وانكر حاضره ، واعرض عن مستقبله .الملاحظ على الغالب من شعوب العالم ، أن الازمة توحده ، والعدو يجمعه ، والشدة ترص صفه ، والكوارث تنسيه خلافاته ، وفي ذلك تجسيد لحب الوطن ، ودلالة على أصالة الولاء ، والتشبث بالأرض ، لكن اللافت في العراق ، أن الشدة تبرز الخلافات ، وتعرض التناقضات ، وتظهر التباينات ، وتغذي الصراعات ، فيتحول الوطن الى ساحة لتصفية الحسابات ، فيكون المصير على المحك ، والجغرافية مهددة بالتـــــغيير ، والتاريخ خاضع للنكاسات والتحريف ، وكل ذلك بفعل ساسة جمعتهم المصالح وفرقهم حب الوطن ، اجلستهم الطائفية والقــــــومية ، وأفرط عقدهم تقاسم الغنائم والسحت ومال المظلوم ، على المتصدي ممن خاف الله ، وتشبث بالأرض ، وتعلق بعشق العراق ، أن يكون أكثر شجاعة ، واربط جأش ، وأشد عزيمة ، فيلاحق من ســـــعى لإقحام الأجنبي ، ويحاكم من سرق المال ، وهدد الأمن ، وأخر البناء ، وعرقل المسيرة ، وناصب العهد الجديد العداء ، فلا مهادنة مع من تآمر على الوطن ، وشق الصف ، وفرق الكلمة ، فالحكم أمانة ، والمنصب تكليف ، والتصدي مسوؤلية ، فإما حملها بشرف ، أو مغادرتها بكرامة ، فوحدة الوطن ، واداء الواجب ، وتسليم الأمانة ، رقم لا يقبل القسمة على أثنين .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى