مقالات

بين بغداد ولندن

بين بغداد ولندن – محمد توفيق علاوي

بعد ان قضيت اسبوعين في الحجر المنزلي في لندن التي غادرت اليها من اجل بعض المراجعات الطبية الروتينية، تركت البيت لاستنشق عبق اريج الطبيعة واتلذذ بضوضاء المدينة بعد اسبوعين من الحجر بين اربع جدران، ومن الصمت المطبق الذي لا يكسره غير صوت المذيع لنشرات الاخبار من الفضائيات العراقية، وصوت المقاطع الفــــــيديووية على الواتسآب من العراق؛ فخرجت مبتغياً أحد المطاعم ولكني فوجئت بالمسؤول عن المطعم يسألني سؤالاً غير متوقع لهذا المطعم (هل لديك حجز مسبق؟) فكان جوابي بالنفي، فاعتذر عن توفر اي طاولة خالية، فالتجأت الى مطعم ثان، فكان نفس الحوار، فقلت له (اريد ان احجز ليوم غد فهل يتوفر المجال؟)فقال (كلا؛ ولكن سيتوفر بعد يومين) فاضطررت الذهاب الى مطعم ثالث، وتكرر نفس الحوار ولكن في هذه المرة قال بعد لأي (ارجع بعد نصف ساعة سأحاول ان اوفر لك طاولة) فرجعت وقد وفر الطاولة، وطلبنا الطعام وعندما انتهينا وطلبنا القائمة جاءتنا مع مفاجئة غير متوقعة؛ تخفيض كبير بنسبة 50 بالمئة فقلت لزوجتي لعل كلفة الطعام في المطعم الآن قد اصبحت ارخص من كلفة الطعام الذي تطبخينه في البيت.فما الذي يحدث في عاصمة الضباب الآن ؟بعد التحري وجدت ان الحكومة البريطانية اتخذت عدة قرارات لمواجهة جائحة كورونا والوضع الاقتصادي الصعب، واريد هنا فقط ان اتطرق إلى الاجراءات التي اتخذتها ازاء المطاعم والمقاهي، لقد اوجبت على كل مطعم ومقهى ان يقلل عدد الطاولات الى النصف لضمان توفير المسافة الكافية لتلافي الاصابة بالجائحة، ولكي لا يخسر المطعم قررت الحكومة ان يعطي المطعم خصماً للزبائن بمقدار 50 بالمئة من كلفة قائمة الطعام وتقوم الحكومة بدفع قيمة الخصم إلى صاحب المطعم، ولكي لا يقوم صاحب المطعم بطرد العمال قررت الحكومة لمن يبقي نفس العمال ان يدفع لهم نصف الاجور وتقوم الحكومة بدفع النصف الآخر، بهذه الإجراءات قامت الحكومة بالحفاظ على المطاعم من الافلاس حيث زاد الاقبال بشكل مقبول ، وبالحفاظ على العمال من الطرد، وبجذب الزبائن للأكل في المطاعم بكلف زهيدة مع توفير كافة الاحتياطات للحفاظ عليهم من الاصابة بالجائحة.

هكذا تتعامل الحكومة التي تفكر بمصلحة شعبها؛ هذه الحادثة جعلتني استذكر حواراً تم بيني وبين رئيس لقائمة برلمانية في فترة التكليف عندما اخبرته (اني لن اقبل بالمحاصصة وتوزيع الوزارات على الاحزاب، لأن وضع البلد اصبح لا يتحمل الاستمرار بحلب الوزارات والمواطن العراقي يعيش هذا الوضع المزري ويعاني هذه المعاناة الشديدة منذ سبعة عشر عاماً) فقال لي (وكيف تريدنا ان نستمر بالعمل السياسي ومن دون تمويل من الوزارات التي يجب ان تخصص لنا؟)فقلت له (لن اقبل على نفسي ان اكون رئيساً للوزراء مع وزراء يسرقون قوت الشعب لمصالح احزابهم) فقال لي (إن لم تقبل فلن نصوت لتشكيلتك الوزارية) فقلت له (انتم احرار إن اردتم الاستمرار على مسار السبعة عشر عاماً الماضية، ولكني لن ارضى ان اشارككم في برنامجكم) وكأني به يحدث نفسه (انت انسان لا تفقه في السياسة ولا تفقه بمصالحك لقد وصلت اليك رئاسة الوزراء وأراك تتخلى عنها لأجل مبادئ لا علاقة لها بالسياسة)إن هذه المقارنة جعلتني اتمزق أسفاً على بلدي وأسفاً على شعبي؛ لماذا يفكر اكثر ساسة العالم المتقدم بمصالح شعوبهم، ولماذا انت هكذا يا بلدي؟ لماذا ولماذا؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى