مقالات

ثقافة الحوار بين العقل والعاطفة

دكتور نزار محمود

نحن‭ ‬البشر‭ ‬لسنا‭ ‬ملائكة‭ ‬بالمفهوم‭ ‬التقليدي‭ ‬الشائع‭ ‬كونهم‭ ‬مخلوقات‭ ‬شفافة‭ ‬متسامية‭ ‬في‭ ‬الروح‭ ‬والعقل‭ ‬والنفس‭. ‬نحن‭ ‬بشر‭ ‬نحمل‭ ‬في‭ ‬رؤوسنا‭ ‬عقولاً،‭ ‬وفي‭ ‬صدورنا‭ ‬قلوباً‭ ‬وتسري‭ ‬في‭ ‬اوصالنا‭ ‬حمية‭ ‬عواطف،‭ ‬تسكن‭ ‬وتنفعل،‭ ‬تهدأ‭ ‬وتثور‭. ‬تحركنا‭ ‬مداركنا‭ ‬ومصالحنا،‭ ‬وتحدد‭ ‬مواقفنا‭ ‬ما‭ ‬نصيب‭ ‬به‭ ‬أو‭ ‬نخطىء‭ ‬في‭ ‬حكم‭ ‬الامور‭.‬بيد‭ ‬اننا‭ ‬جميعاً‭ ‬ينبغي‭ ‬ان‭ ‬ندرك‭ ‬أن‭ ‬للآخرين‭ ‬ذات‭ ‬الظروف‭ ‬والحقوق‭ ‬التي‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬حواراتنا‭ ‬معهم‭.‬أذكر‭ ‬أنني‭ ‬حاورت‭ ‬نفسي‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬صعوبات‭ ‬حوار‭ ‬رجال‭ ‬الاديان‭ ‬المختلفة‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬حججهم‭ ‬على‭ ‬حقائق‭ ‬مقدسة‭ ‬لا‭ ‬يسمحوا‭ ‬لأنفسهم‭ ‬أن‭ ‬يحيدوا‭ ‬عنها‭ ‬قيد‭ ‬أنملة‭. ‬تذكرت‭ ‬خلافات‭ ‬الرأي‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬آيدولوجياتهم‭ ‬ومصالحهم‭ ‬ورغبات‭ ‬هيمنتهم‭. ‬اطرقت‭ ‬طويلاً،‭ ‬استعنت‭ ‬بالمنطق‭ ‬وبالحكمة‭ ‬وبالموعظة‭ ‬الحسنة‭ ‬وبأحسن‭ ‬الجدل،‭ ‬نجحت‭ ‬تارات‭ ‬ولم‭ ‬انجح‭ ‬تارات‭ ‬اخرى‭!‬يحكم‭ ‬الانسان‭ ‬ما‭ ‬انطمر‭ ‬في‭ ‬عقله‭ ‬الباطن‭ ‬ولا‭ ‬شعوره‭ ‬من‭ ‬قيم‭ ‬وتصورات‭ ‬ورغبات‭ ‬رضعها‭ ‬مع‭ ‬حليب‭ ‬أمه‭ ‬ونشأ‭ ‬عليها‭ ‬ومعها‭ ‬في‭ ‬اسرته‭ ‬وحاضنته‭ ‬الاجتماعية‭. ‬جميعنا‭ ‬لم‭ ‬نكن‭ ‬مخيرين‭ ‬في‭ ‬ولادتنا،‭ ‬في‭ ‬زمانها‭ ‬ومكانها‭ ‬وبيئتها‭.‬لكن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬ان‭ ‬يبقى‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬السلبية‭ ‬من‭ ‬أمر‭ ‬ما‭ ‬نشأ‭ ‬فيه‭ ‬وعليه‭ ‬ذلك‭ ‬الانسان‭ ‬عندما‭ ‬يبدأ‭ ‬يكبر‭ ‬ويعي‭ ‬ويدرك‭ ‬ويعيش‭ ‬بيئات‭ ‬أخرى‭ ‬ويجمع‭ ‬خبرات‭ ‬حياتية‭ ‬في‭ ‬تعلم‭ ‬وعمل‭ ‬وعلاقات‭ ‬اجتماعية‭.‬غير‭ ‬ان‭ ‬مواقفه‭ ‬وسلوكياته‭ ‬ستبقى‭ ‬رهينة‭ ‬الى‭ ‬هذا‭ ‬الحد‭ ‬أو‭ ‬ذاك،‭ ‬وبفعل‭ ‬عوامل‭ ‬ذاتية‭ ‬وخارجية،‭ ‬متأثرة‭ ‬ومتفاعلة‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬انطمر‭ ‬في‭ ‬عقله‭ ‬الباطن‭ ‬وما‭ ‬اكتسبه‭ ‬لاحقاً‭ ‬من‭ ‬معارف‭ ‬ومشاعر‭.‬هذه‭ ‬الحقائق‭ ‬يجب‭ ‬استحضارها‭ ‬ونحن‭ ‬نتحاور‭ ‬مع‭ ‬الآخر‭ ‬المختلف‭ ‬وأولها‭: ‬انه‭ ‬لا‭ ‬جدوى‭ ‬لحوار‭ ‬مع‭ ‬شبيه‭ ‬تام‭ ‬في‭ ‬الرؤية‭ ‬والافكار،‭ ‬انها‭ ‬مضيعة‭ ‬وقت‭ ‬غير‭ ‬مجدية‭. ‬فالانسان‭ ‬له‭ ‬عينان‭ ‬واذنان‭ ‬لكي‭ ‬يرى‭ ‬ويسمع‭ ‬بهما‭ ‬ما‭ ‬يقوم‭ ‬به‭ ‬الناس‭ ‬وما‭ ‬يقولونه،‭ ‬وله‭ ‬لسان‭ ‬واحد‭ ‬لكي‭ ‬يعبر‭ ‬به‭!‬اليست‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬عبرة‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬العقل‭ ‬في‭ ‬رأس‭ ‬الانسان‭ ‬الذي‭ ‬يتبؤ‭ ‬المكانة‭ ‬العليا‭ ‬في‭ ‬جسمه؟‭ ‬ألا‭ ‬تحفظ‭ ‬اضلاع‭ ‬القفص‭ ‬الصدري‭ ‬ما‭ ‬يقبع‭ ‬داخلها‭ ‬من‭ ‬قلب‭ ‬ينبض‭ ‬بالاحساس‭ ‬والعاطفة‭ ‬والوجدان؟لكنه،‭ ‬هكذا‭ ‬شاءت‭ ‬الحكمة،‭ ‬ان‭ ‬يرتمي‭ ‬القلب‭ ‬تحت‭ ‬اقدام‭ ‬الرأس‭ ‬وسيده‭ ‬العقل؟بيد‭ ‬انه‭ ‬ليس‭ ‬هو‭ ‬بانسان‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يملك‭ ‬عقلاً‭ ‬أو‭ ‬لا‭ ‬يملك‭ ‬قلباً‭!‬فلنتذكر‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬حواراتنا‭!‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى