مقالات

ديباجة مواطن:الجُدد الجُدد

خالد الخفاجي

ربما لم يجنِ العراقيون بعد عام 2003، سوى حرية التعبير عن آرائهم وتطلعاتهم وحلمهم بالديمقراطية، ولو بجزءٍ يسير مما طمرته السنين في جوف نفوسهم وأرواحهم التي امتلأت بالورم التاريخي من جراء تعسف واستبداد الأزمنة الغابرة، وكان ثمن هذه الحرية قد دفعه العراقيون من مختلف العذابات بما فيها الجوع والعوز وتردي الوضع المعيشي، والتهجير والطائفية، والقتل على الهوية، وتراجع الخدمات، وتحمُّل الفساد المالي والإداري الذي مارسته الحكومات المتعاقبة بعد الاحتلال الامريكي للعراق، وقد كان ثمنا باهضا دفعه كل كائن عراقي سواء كان رجلا أو امرأة، شيخاَ وشباباَ واطفالا، وحتى هذه النفحة من الأوكسجين التي أصبح العراقيون يتنفسونها بفضل وسائل التواصل الاجتماعي التي أنعم عليهم بها عالم التكنولوجيا والتقنية الحديث، يحاول اليوم نواب الزمن الراهن أن يذبحوها في عقرِ فرحتهم الحبيسة، بخنجرِ قانون جرائم المعلومات وبنية المحاولة للتصويت عليه، وإذا ألقينا نظرة سريعة على هذا القانون سيء الصياغة، لوجدناه أولا يتعارض بشكل واضح مع ما جاء في نصوص الباب الثاني المتضمن الحقوق والحريات في الدستور العراقي 2005، والتي كفلت كافة حقوق الفرد الحياتية والعملية وحرياته المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وتحديدا المادة 19 التي تنص على مبدأ لا عقوبة بدون قانون، ولا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، والمادة 38 التي تكفل حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل، وحرية الإعلام ً،وحرية الصحافة والطباعة والاعلان والاعلام والنشر وحرية التجمع، وحرية الاجتماع والتظاهر السلمي، كذلك المادة 46 التي تنص على عدم تقييد ممارسة أي من الحقوق والحريات، كذلك يتعارض قانون جرائم المعلومات وهو القانون الوحيد يحمل عنوان الجرائم، مع المواثيق والبروتوكولات الدولية التي كفلت وصانت حقوق الإنسان ومنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في المادتين الثانية والتاسعة عشر منه حيث نصت المادة الثانية على: لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أي نوع، ولاسيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدين، أو الرأي سياسيا وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أي وضع آخر، إما المادة التاسعة عشر فقد نصت على: لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفى التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود.أما من الناحية القانونية والتجريمية فقد جاء القانون متعسفا بفرض العقوبات غير المنصفة لا للفعل ولا لمرتكب الفعل وبهذا تكون المواد والعقوبات التي تبناها هذا القانون قد تعدًّت قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1996، وهي في الأصل موجودة في قانون العقوبات وتولت المحاكم عقوباتها.لذلك أُتهم بأنه قانون سيئ الصياغة وذو عقوبات مجحفة تخرق الحق في إجراءات التقاضي السليمة وتنتهك حرية التعبير، ومن ناحية الصياغة فقد كانت صياغاته ضعيفة ولا تنسجم مع أصول صياغة النصوص العقابية لعدم اتخاذ الانضباط والدقة في تدوينها وطرحها، وهذا يشكل خطراً كبيرا على حرية الرأي والتعبير، وتهديدا علنيا وسافرا لحرية الإعلام والنشر، فضلا عن أن هذا القانون كان قد طُرح للمناقشة في مجلس النواب في عامي 2011، و2012، ولم يُفلح في تمريره بسبب ما واجههُ من اعتراضات المنظمات المدنية والشعبية واحتجاج الرأي العام بشدة قصوى، لأنه يحمل ملامح دكتاتورية، وينذر بالعودة إلى عهد الديكتاتورية. حيث تضمن هذا المشروع اللاّ قانوني التعسفي 31 مادة، 20 منها تتناول بحدود 63 عقوبة تتراوح عقوباتها بين السجن لسنوات والمؤبد وعقوبات مالية تصل إلى 50 مليون دينار عراقي بما يعادل نحو 40 ألف دولار. وفي حالة إصرار مجلس النواب العراقي على التصويت وتمرير هذا القانون سيواجه ردود فعل رافضة ربما لم تشهدها حتى ثورة تشرين الخالدة. وذلك لان تمرير هذا القانون سيحول العراق الى مستنقع يضج بالسجناء الأبرياء، ويهدف بهذه الصيغة التي كُتب فيها فقط الى حماية الطبقة الحاكمة من الانتقادات التي يوجهها كل فرد من الشعب العراقي اليهم ويكشف فضائحهم التي يندى لها جبين الإنسانية. كما إنه يسعى الى إتباع سياسة تكميم الأفواه وقمع الحريات، وهدم العلاقات الأسرية والاجتماعية، ويقتل الحلم العراقي بالديمقراطية، ويصنع في الحياة العراقية لى دكتاتورية جديدة ودكتاتوريين جددا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى