مقالات

ضحايا الإرهاب ويومهم العالمي

محمد العقيليّ

حقوق ضحايا الارهاب لا ترتبط بأمر اخلاقي فحسب، بل هي حقوق لها ابعاد رمزية وقيمية، فهم جزء من المواجهة، وجزء من التاريخ، وهذا ما يجعلهم شهودا على ماجرى في العراق، من احتلال وصراعات ومن عنف طال حياتهم وحياة العراقيين بكل تفاصيلها، وكشف عن واقع يتسع للقراءة، لاسيما في مدينة ورثت ذاكرة الشرق مثل بغداد، إذ هي آخر معاقل الأساطير وماتبقى من الوجود، في الشرق حيث دائرة النزاع، وخضم الأحداث ومعتركُ المذاهب مثلما يُسميها «أبنّ رشيق القيروانيّ» كانت بغداد وما زالت مرتعاً خصبّاً لإنتاج الرديكاليَّات والايديولوجيّات، وتُجار الحُروب، ولُوردات الدماء والسلاح والقتل، وليتركوا الضحايا يعيشون معاناتهم مع الفقد والعوز والذاكرة المفجوعة. مُعاناة الضحايالن نأتي بأيّ جديدٍ، لتلك المُعاناة، ومانجمّ عنها، فهي تُراودهم حتّى بالأحلام، استلابٌ مُروع، وإذلال في دوائر ومُؤسسات هي الأُخرى تواجّه ضدّهم نسقاً من التهميش المُنظم، وتُعطيهم وعودا بالخيال بأنّ لديهم حقوقا، ما زالت مُستلبّة، وما زالت رهنّ الأرواق وصراع الأحزاب الّتي تُهيمن على مقدرات الدّولة، وتفرض فسادها، مقابل التقصير والتعطيل، ووأد الأصوات الّتي تُنادي بأيسر الحقوق لهذه الشريحة الّتي تربّو على مئات الآلاف من الأبرياء والمسحوقين. الجُرح النفسيّ نفسيّاً، حجم الانهيار مُريب، وذاكرة المجزرة مرعبة، ومنظر الدم والانفجار والجثث وما تراكم بفعل العمل الإرهابيّ، ظل ماثلا أمامهم، فكيف يمكن إعادة التوازن النفسي الى هؤلاء، وتخليصهم واقعيَّاً من آلام وتركامات المجازر، وتأهيلهم ضمنَ برامج مُتخصصة وفاعلة لاندماجهم بالمُجتمع مُجدداً، وضمنّ آفاق وتطلّعات تُعنى بهم بعيداً عن المُزايدات الرخيصة، وتُجارة مُنظمات المُجتمع المدنيّ «منظمات اللُصوص» وتركَ الملف للضحايا بعدَ تلك التجاوزات على حقوقهم.التأكيد على تلك الحقوق يكمن بإعادة إنتاج تفعيل قوانيهم عمليَّاً، بعدَ تخليص المُؤسسة من الفاسدين، ومن هيمنة القرار السياسيّ، على الأقل، هذه المُؤسسة، لكي تتجاوز واقعها الصعب وقلة تخصيصاتها، ولتفعيّل القوانين بلُغة البيّان والدعم والتأهيل، ومدّ يد العون لهم، فنحنّ الضحايا للآن لم يُسمع مِنا، ولم يصغِ لنا أيّ أحد للأسف الشديد. المُؤسسة الحقيقيّةللآن، لم يُبادر أيّ صوتٍ، وكيان معرفيّ وثقافيّ، لإنتاج مُؤسسة حقيقيّة بلُغة الأرقام والفكر، لتدوين مُعاناتهم، وإحصاء الضحايا، والكتابة للمُجتمع الدّوليّ، وتفعيّل الصحافة والإعلام للوقوف معهم ودعمهم بشتى المجالات والأبعاد، لتخفيف آلامهم وبالأقل إشعارهم بأنّهم في صميم الأهتمام والرعاية الّتي فقدوها بفعل الإهمال والتطفّل والمصالح الدنئيّة الّتي تاجرت بهم ومازالت لمآربٍ رخيصة. هيكلة المُؤسسةنظامٌ داخليّ، وعلاقات دّوليّة، ترتبطُ برابطٍ معَ مُؤسسات الدّولة، وتكونُ ضاغطة فاعلة، تُنتج دراسات وأفكارا وتصوّرات سنويّة، زياراتٌ دورية للأسر والضحايا، ورشٌ وتدريب، وتفّاعل مُستمر على الأصعّدة قاطبّة، وتدوين المأساة للتأريخ، ودعم المسرح والسينما والرواية والفنّ والفكر والرسم وكلّ العُلوم الإنسانيِّة للوقوف معاهم تبني وجهتهم وما يجيشُ بدواخلهم عبرَ عوامل ثقافيّة وتربويّة، لا سيّما الأطفال من الضحايا وهمْ كُثر.ويمكن أن يكون هناك تنسيق مع الجهات الدولية، لتعريف الرأي العام بمآسيهم، وبما فعله الارهاب، للتعرف على حجم المأسأة، والدمار، والمجازر، ومُخاطبة الضمير والإعلام العالميّ، وإجبار الكون للوقوف معنّا وتبني قضيتنا وإرجاع العدالة لذوي الحقوق وتعويضهم بما يُليق لحفظ كرامتهم، وردّ اعتبارهم بعدما معاناتهم، وما تعرضوا له من ظروف صعبة، ومن فواجع، لا شك أن الفساد كان واحدا منها. – لايكفي أن نجعل 21 من آب يوما للضحايا.يمكن أن نجعل هذا اليوم يوماً عالميَّاً لضحايا الإرهاب، حيث تبني ملفهم مرحليَّاً ويومياً، فنحنُ نتحدث عن أكثر من «سبعمئة ألف إنسان» يعيشُ يوميّاً شبه ميت ومُتعذب، فضلاً عنّ الّذين رحلوا بحسراتهم، وتركوا أطفالهم والنساء، بالتالي ينبغي الاستثناء بكلّ شيء، بدءًت من الروضة وإنتهاءً بجعل قصتهم للأجيال قصة لم ولن تهدأ وتبرأ إطلاقاً، وتشكيل فريق من المُحامين والمُترجمين، لكتابة ملف، مُحقق ومُدقق ومُترجم، ليكون بمثابة وثيقة دّوليَّة، تُقرأ سنويّاً، وتُعطى لوفدٍ من ضحايا الإرهاب حصراً لتسليمها للمنظمات العالميّة والدّوليَة، وتكون هذه الوثيقة بمثابة «القصائد المُعلقّة» تُعلقُ على ضمائر الإنسان والمُجتمع الدّوليّ، مُذكراً إياهم بهول المجازر، وحجم الخشائر، ومأساة الإنسان، فضلا عن دعوة النُخب الثقافيَّة والمعرفيّة، والإعداد لمفهوم المُؤسسة منذُ الآن، وإطلاق المؤسسة بمؤتمرٍ صحفيّ، والبدء بإعلان البرنامج والتصوّرات والرُؤى، وبالتالي تأهيل الخطّ بضرورة إنتاج وفتح آفاق للتبادل الفكريّ والتعاون معاً في التمهيد لمشاريع أكبر وأعمق، ويكونُ شعارنا الإنسان حيثما حلّ وأرتحل، هو منطقة اشتغالنا ومحطّ رحالنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى