مقالات

فرهود القرن

حمزة مصطفى

تطور مفهوم الفساد لدينا من الرشوة القديمة التي إرتبطت بـ “الواشر” أيام زمان الى السرقة مرورا بالفرهود طبقا لأخر الكشوفات التي توصلت اليها اللجان. والواشر لمن لا يعرفه من الأجيال الجديدة هو العملة الصغيرة المعدنية أيام ذاك “5 فلوس أو 10 فلوس” التي كان يدفعها المواطن لمن يمشي معاملته البسيطة في الغالب.

أيامها لم يكن هناك سوى جهاز واحد لايعرفه الراشي والمرتشي أيام كانا ملعونين وهو ديوان الرقابة المالية. حتى الواشر نفسه كان قد إرتبط بفئة من موظفي الدولة وليس كل الدولة بكامل أجهزتها ومؤسساتها ودوائرها وهيئاتها ولجانها ومنافذها وضرائبها وكماركها ومصارفها.

كانت عمليتنا الواشرية حتى تلك الصغيرة منها محل فخر وإعتزاز أيام كان دينارنا ضعف الدينار الكويتي, ويساوي ثلاثة دولارات أميركية.

ليس دفاعا عن أي نظام سابق ملكي أم جمهوري لاسيما على صعيد الذمة المالية لكن حتى الفساد السابق أيا كان حجمه ومن كان يقوم به لم يرتق الى مستوى مابتنا ننحته الآن من مصطلحات مثل المافيات, أو الحيتان, أو تسميات مثل سرقة القرن. يحصل هذا اليوم في وقت قد لا نتمكن من إحصاء عدد الأجهزة والدوائر والهيئات والمجالس والمكاتب المعنية بمحاربة الفساد بالإضافة الى الجهات المعنية بمراقبة الأداء من خارج أجهزة الدولة مثل منظمات المجتمع المدني أو مايسمى بمؤسسات الشفافية التي ترصد مؤشرات الفساد وتصدر تقاريرها الدورية. إقتصاديا لم يتغير لدينا شيء.

كنا في الماضي لانبيع سوى النفط واليوم لانبيع سوى النفط. النفط تدفق في أرضنا أيام كانت الدولة هي المسؤولة عن رعاية المواطن بصرف النظر عن نوع وطبيعة ومصداقية تلك الرعاية. لاتزال الدولة بإختلاف الأنظمة هي المسؤولة عن رعاية المواطن الذي أضيف له بعد 2003 مفردة الكريم ولايزال النفط يتدفق بأسعار ترتفع مرة وتنخفض أخرى.

وبين الإرتفاع والإنخفاض لانملك في غياب الخطط سوى الدعاء. مع ذلك يبقى الفارق نوعيا بين الفسادين في الماضي والحاضر. فالفساد القديم الذي كان في الغالب رشوة يعبر عنه مصطلحيا بالواشر تحول اليوم الى سرقات تحتاج الى مصطلحات بحجمها. سحب مبالغ الأمانات الضريبية التي مازلنا نجهلها حتى ساعة كتابة هذا المقال لايليق بالذي حصل سوى المصطلح الذي نحت خصيصا له وهو “سرقة القرن”.

وهذا المصطلح إستفاد منه حتى المعلقون الرياضيون في مونديال قطر. فالمعلق عصام الشوالي الذي أراد وصف هدف لميسي في مرمى أحد المنتخبات قائلا إنه من حيث قدرة ميسي على التلاعب باللاعبين أشبه بالسرقة مضيفا “سرقة القرن”.

أخيرا وفي وقت كنت على وشك البحث عن نهاية لهذا المقال قرأت بيانا للنائب مصطفى جبار سند يتناول سرقة قرنية أخرى, وأيضا هي الأخرى لايلبس عليها عقال تلك هي ملف إطعام السجون. المبلغ الكلي طبقا لبيان النائب ترليون دينار تقريبا.

لانملك هنا حيال هذا الملف الجديد التازة سوى أن نعود الى أمثال أهلنا في وصف العلاقة بين السارق والمسروق.

ولكون أهلنا يؤمنون دائما وأبدا أن القناعة كنز لايفنى فإنهم يطلبون ممن لديه جشع إذا أراد أن يأكل مع العميان أن .. يأكل بإنصاف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى