مقالات

مظفر النواب ليس للبيع

فاتح عبدالسلام

رحل‭ ‬الشاعر‭ ‬مظفر‭ ‬النواب‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬وطنه‭ ‬الذي‭ ‬أراق‭ ‬مهجة‭ ‬شعره‭ ‬وحياته‭ ‬بين‭ ‬يدي‭ ‬ترابه،‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬الغربة‭ ‬تقذف‭ ‬به‭ ‬بعيداً،‭ ‬فقد‭ ‬ظلّ‭ ‬الى‭ ‬ذلك‭ ‬الهمّ‭ ‬الوطني‭ ‬المشتعل‭ ‬أبداً‭ ‬القريبَ‭ ‬القريبَ‭ ‬حتى‭ ‬التماهي‭

.‬لو‭ ‬جرى‭ ‬افتراضاً‭ ‬مسح‭ ‬كل‭ ‬منجزاته‭ ‬الشعرية‭ ‬ومحطاته‭ ‬السياسية‭ ‬وعذاباته‭ ‬في‭ ‬السجون‭ ‬و‭ ‬لوعاته‭ ‬عند‭ ‬نقاط‭ ‬حدود‭ ‬الدول‭ ‬في‭ ‬الغربة،‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬لأحد‭ ‬في‭ ‬الكون‭ ‬ان‭ ‬يستطيع‭ ‬تجاوز‭ ‬موقفه‭ ‬الوطني‭ ‬الكبير،‭ ‬وهو‭ ‬الموقف‭ ‬الذي‭ ‬يجب‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬عليه‭ ‬كل‭ ‬مبدع‭ ‬منتسب‭ ‬للعراق،‭ ‬في‭ ‬رفض‭ ‬الاحتلال‭ ‬الأجنبي‭ ‬لبلده،‭ ‬ولم‭ ‬يعمد‭ ‬الى‭ ‬الحجج‭ ‬التبريرية‭ ‬الساذجة‭ ‬المُذلة‭ ‬التي‭ ‬ساقها‭ ‬سياسيون‭ ‬وادباء‭ ‬وفنانون‭ ‬حين‭ ‬انخرطوا‭ ‬في‭ ‬مشروع‭ ‬الاحتلال‭ ‬بحجة‭ ‬انه‭ ‬السبيل‭ ‬الوحيد‭ ‬للخلاص‭ ‬من‭ ‬النظام‭ ‬السابق،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬النواب‭ ‬اكبر‭ ‬خصومه‭ ‬ولا‭ ‬احد‭ ‬يستطيع‭ ‬المزايدة‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬موقفه‭.‬رفض‭ ‬النواب‭ ‬ان‭ ‬يعود‭ ‬الى‭ ‬بغداد‭ ‬وعليها‭ ‬جندي‭ ‬من‭ ‬جنود‭ ‬المحتل،‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬كانت‭ ‬الأسماء‭ ‬البراقة‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬تستظل‭ ‬بالبسطال‭ ‬الأمريكي‭.‬ما‭ ‬أظن‭ ‬انَّ‭ ‬انساناً‭ ‬تغرّب‭ ‬بقسوة‭ ‬عن‭ ‬بلده‭ ‬عقوداً،‭ ‬وحين‭ ‬زال‭ ‬الحكم‭ ‬السابق،‭ ‬وأصبح‭ ‬الطريق‭ ‬سالكاً‭ ‬الى‭ ‬بغداد‭ ‬التي‭ ‬عشقها‭ ‬والجنوب‭ ‬الذي‭ ‬كبرت‭ ‬قصائده‭ ‬مع‭ ‬عناقيد‭ ‬نخيله‭ ‬الباسقة،‭ ‬كان‭ ‬يستطيع‭ ‬ان‭ ‬يمسك‭ ‬نفسه‭ ‬عن‭ ‬الطيران‭ ‬نحو‭ ‬بغداد،‭ ‬لكن‭ ‬مظفر‭ ‬النواب‭ ‬لم‭ ‬يفعل،‭ ‬كان‭ ‬وعيه‭ ‬ليس‭ ‬دكاناً‭ ‬للبيع،‭ ‬لأنه‭ ‬وعي‭ ‬مبادئ‭ ‬وشرف‭ ‬وغيرة،‭ ‬وكان‭ ‬يعرف‭ ‬في‭ ‬أوج‭ ‬معاركه‭ ‬السياسية‭ ‬معنى‭ ‬الخصومة‭ ‬الشريفة،‭ ‬لأنّ‭ ‬كفاحه‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬استعادة‭ ‬الحرية‭ ‬والوطن،‭ ‬لا‭ ‬من‭ ‬اجل‭ ‬الانتقام‭ ‬والنهب‭ ‬والجاه‭.‬لم‭ ‬يعد‭ ‬النواب‭ ‬الى‭ ‬بغداد‭ ‬إلا‭ ‬حين‭ ‬أعلن‭ ‬الامريكان‭ ‬انهاء‭ ‬احتلالهم‭ ‬الرسمي‭ ‬وانسحابهم‭ ‬من‭ ‬العراق‭.‬الرجل‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الموقف‭ ‬المشرّف‭ ‬وحيداً‭ ‬بين‭ ‬الادباء‭ ‬العراقيين‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬او‭ ‬الخارج،‭ ‬لكنهم‭ ‬قلة‭ ‬نادرة‭ ‬في‭ ‬الزمن‭ ‬المُبتلى‭ ‬بالرخص‭ ‬المستورد‭.‬‭ ‬دارسو‭ ‬شعر‭ ‬مظفر‭ ‬النواب‭ ‬وحياته‭ ‬في‭ ‬الجامعات‭ ‬والمدارس،‭ ‬سيكتشفون‭ ‬لا‭ ‬محالة‭ ‬معنى‭ ‬انَّ‭ ‬الشاعر‭ ‬هو‭ ‬صاحب‭ ‬موقف‭ ‬لا‭ ‬يُباع‭ ‬ولا‭ ‬يُشترى،‭ ‬كما‭ ‬تظن‭ ‬بعض‭ ‬الأنظمة‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬استباحت‭ ‬الشعر‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬استباحته‭ ‬من‭ ‬علامات‭ ‬الأوطان‭ ‬ورموزها‭.‬

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى