مقالات

مولد الرحمة المهداة

خالد السلامي

في يوم من أيام ربيع الأول من السنة القمرية التي وافقت ما سمي بعام الفيل سنة 571 ميلادية ذلك اليوم الذي لم يتمكن المسلمون من الاتفاق عليه فمنهم من قال في الاثنين الموافق الثاني عشر من شهر ربيع الأول ومنهم من قال في يوم الجمعة الموافق في السابع عشر من ذلك الشهر ومنهم من قال لا احد يعلم في اي يوم من أيام هذا الشهر الكريم , وليتهم اكثروا الاختلاف في هذا الموضوع حصرا لان كثرة الاختلاف فيه ستييح للمسلمين الاطالة في الاحتفال به واستذكار مآثره واعجازه ، وإنما أكدت كل تلك الاتجاهات انه حدث في ذلك اليوم المجهول المعلوم من شهر ربيع الأول من تلك السنة القمرية حدث بارز وعظيم اهتزت له الخليقة حيث رد الله في ذلك الوقت فيلة وجيوش ابرهة الحبشي بطير أبابيل يحمل كل منها حجارة من سجيل مسماة لكل جندي وفيل من جنود وفيلة ذلك الحبشي المجرم الذي أراد هدم الكعبة فقضت تلك الطير الأبابيل على كل جيوش وفيلة ابرهة الغازي لأرض الحرم الشريف ليحفظ الله بيته الحرام بتلك المعجزة العظيمة وفي نفس ذلك اليوم حدثت احداث عظيمة هزت عروش اباطرة وقياصرة الإمبراطوريات انذاك وارعبت رهبانهم والقائمين على اديانهم وادخلهم في دوامة كبيرة من القلق والخوف والرعب لأنهم كانوا على علم بذلك الحدث وان نهايتهم أو على الأقل تحجيمهم سيكون مرهونا بذلك الحدث الجلل. نعم كيف لا يكون ذلك الحدث بهذه الأهمية وذلك التأثير الكبير على كل ارض المعمورة آنذاك وهو ينبئ بولادة سيد الكائنات وخاتم الأنبياء والمرسلين وحبيب خالقه العظيم الذي بشّر به كل نبي حمل رسالة من السماء إلى بني البشر وذُكر اسمه الكريم في كل كتاب سماوي حمله جبريل الأمين عليه السلام إلى نبي قبل ولادة النبي الخاتم والرحمة المهداة , كيف لا يكون ذلك الحدث بهذه العظمة والجلال وقد بشّر بمجيء رسول الله محمد الصادق الأمين ليوقف رِبا اليهود وشِرك المشركين وليتمم رسالات من سبقه من الأنبياء عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام . وعند سماع دهاقنة اليهود والنصارى والمشركين نبأ تلك الولادة العظيمة راحوا يتساءلون عن صفات ومواصفات ذلك المولود لأنهم يعلمون صفات النبي المنتظر حيث اخبر به كل أنبيائهم وجاء ذكره في كل كتبهم بكل صفاته الكريمة وعندما علموا بتطابق صفات ذلك المولود مع ما لديهم من صفات تيقنوا من أن عهدهم قد بدأ بالأفول فراحوا يحيكون المؤامرة تلو الأخرى للقضاء عليه وهو في المهد وحاولوا كثيرا النيل من حياته الشريفة وعندما أحس ذويه بذلك الخطر الداهم على حياة وليدهم المعجزة قرروا إبعاده إلى الصحراء حيث الهواء النقي والتقاليد العريقة والفروسية والصيد فاستغلوا قدوم آهل الصحراء وهم يبحثون عن أطفال يرضعونهم من أبناء أغنياء قريش طمعا بما يدرونه عليهم من أموال لرعاية أبنائهم فلم يأخذه احد إلا رجل فقيرا ارتضى أن يأخذ ذلك الصبي الوليد الفقير آملا أن يرزقه الله سبحانه إكراما لهذا الرضيع الذي لا يعلم ما وراءه من معجزات ومآثر لا حدود لها وعند وصوله الى بيت مرضعته حليمة السعدية وهي زوجة ذلك الرجل الكريم راح الخير ينهمر على ذلك البيت من كل حدب وصوب فكثر حليب أغنامه وهطلت الأمطار على تلك الأرض الجرداء وصار حليب مرضعته لا ينضب بل ويتزايد كيف لا وهي لا تعلم من ترضع من صدرها الشريف فهي ترضع من سيتغير على يديه الكريمتين وجه الأرض وستنتشر العدالة والتوحيد والحرية في كل مكان وستنهار إمبراطوريات وأمم واديان على يديه الشريفتين . نعم فقد رضع من صدر تلك المرضعة التي أكرمها الله سبحانه وتعالى كل طبائع البادية وبقي فيها حتى تعلم الفروسية واللغة والرماية وكل طباع الكرم والتواضع التي يجب أن يتصف به من سيحمل رسالة الخالق العظيم إلى جميع بني البشر فهو لم يخصص كباقي أنبياء الله إلى امة بعينها وإنما أرسل للناس كافة وختم الله به الانبياء والمرسلين والرسالات السماوية التي كانت تتوالى على البشرية لتبشر بدين الله الاسلام فكان ان تلقاها بكل اصرار وثبات على ابلاغها الى الناس للقضاء على تلك الاوثان والاصنام التي كانت منتشرة في ذلك الزمان وانهاء العبودية والرق والتفريق بين عباد الله فهذا سيد وذلك عبد وهذا غني وذاك فقير وصار كل منهم يساوي الاخر الا في التقوى فلم يعد هنالك فرق بين اسود وابيض ولا غني او فقير فتداعى اليه الناس من كل حدب وصوب لينصروه ويعزروه رغم كل مكائد مشركي قريش انذاك ودهاء دهاقنة اليهود والنصارى وقتها فتمكن عليه افضل الصلاة واتم التسليم من بناء قاعدة لدولة اصبحت فيما بعد تملك معظم ارجاء المعمورة حيث امتدت حدودها من اطراف الصين شرقا الى اطراف فرنسا غربا وبلاد الفرس والروس اضافة الى ارض الجزيرة العربية وارجاء واسعة من اسيا وافريقيا واوروبا لتحكم العالم لاكثر من اثني عشر قرنا من الزمان عمت فيها تلك البلاد الواسعة العدالة والخيرات والامان بعد ان تمسكوا بوحدانية الله التي جاء من اجلها سيد الانبياء والمرسلين وخاتمهم محمد بن عبدالله صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم ذلك النبي العظيم الذي لو احتفلنا به كل يوم وشهر وعام منذ ولادته وحتى قيام الساعة لم نوفه حقه ولو استعملنا كل لغات ومجلدات الكون . الا يستحق نبي بهذه العظمة والاعجاز ان نعطي ذكرى ولادته الشريفة حقها من الاهتمام خصوصا وهو يتعرض ورسالته السمحاء الى ابشع هجمة بربرية من شذاذ الطرق من المتطرفين المجانين من اليهود والمسيحيين والمشركين وبعض من ابناء أمته ممن ارتضوا ان يكونوا ادوات بيد أعداء للاساءة إليه والى رسالته السمحاء بينما يحتفل كل ابناء الديانات الاخرى بانبيائهم بابهى صور الاحتفال .. الا تأخذنا الغيرة ونحن نرى العالم كله بكل دياناته يحيي الليالي بعيد ميلاد السيد المسيح عليه السلام ونحن نمر على مولد سيد الانبياء المرسلين اجمع مرور الكرام وهو الذي انفرد من بين كل اولئك الانبياء بالعروج الى سابع سماء ليقابل ربه الكريم جلت قدرته في ليلة واحدة حيث اسري به من مكة الى القدس ثم عرج به الى السماء السابعة . فيا من تحبون نبيكم الكريم وتؤمنون برسالته انتفضوا لنصرته وردوا كيد المتطرفين الحاقدين الذين اساءوا ويسيؤن اليه والى رسالته العظيمة كل يوم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى