مقالات

ندامة الصين وورطة الهند

حمزة مصطفى

حسب آخر الإحصائيات ومصدرها الأمم المتحدة أن الهند سوف تتقدم على الصين سكانيا خلال شهرين.

الجميع يعرف أن الصين وعلى عهد من جاء بعد ماوتسي تونغ الذي كان يزامط بالولادات الجديدة حددوا النسل بصرامة. طفل لكل أسرة. هكذا فعل دينج شياو بينج, وجيانغ زيمين, وهو جينتاو, وشي جين بينغ وهو الرئيس الحالي. بفعل هذه السياسة الصارمة “نسليا” حققت الصين في غضون أربعة عقود بعد زوال حكم ماو وزميله شوان لاي مالم تستطع أن تحققه أمة من الأمم ربما عبر قرون.

تخلت عن سورها الذي كان عظيما حتى عهد نيكسون وكيسنجر أوائل سبعينات القرن الماضي وبدأت تبحث عن الحزام والطريق وتغزو العالم بنعومة أول الأمر بمن في ذلك صناعة أفضل الدشاديش والبشوت العربية بل حتى أعلامنا وراياتنا لتبدأ سياسة العصا والجزرة مرة والغليظة مرة أخرى لتزاحم أميركا في كل القارات وفي عقر دارها. ومع كل هذا التقدم الكبير كانت جارتها الهند التي تتنافس معها سكانيا مع أن الصين تتقدم عليها ببضعة مئات من الملايين لم تتقدم مثل الصين مع إنها بدأت تقدم نماذج بشرية منها لتحكم أعرق ديمقراطيات العالم وفي مقدمتهم ريشي سوناك رئيس الوزراء البريطاني. ومع أن سوناك بدأ يلعب بذيله على صعيد المواكب الفخمة التي تشبه مواكب مسؤولينا لكنه يبقى حالة متفردة لبلد قادر على العطاء “الهند” وبلد قادر على الإستيعاب “بريطانيا”.

لكن الإشكالية هنا وطبقا للمنطق الاقتصادي البحت بوصفه محرك التقدم والتطور اليوم في عالمنا المجنون تقنيا وصناعيا بمن فيه الذكاء الصناعي لم يعد في تحديد النسل من عدمه في أي مجتمع من المجتمعات بقدر ماعاد نسبة الشباب الى الشيوخ في هذا المجتمع دون ذاك. الإحصائيات على هذا الصعيد لصالح الهند لا الصين.

فنسبة الشباب في الهند دون سن الـ 25 سنة هي الأكثر في الهند بالقياس الى الصين التي بدأت تشيخ. القيادة الصينية ندمت على تلك السياسة الصارمة التي إتبعتها في الحد من الزيادة السكانية التي تمثلت في طفل واحد لكل أسرة. فهذه السياسة أيا كانت نجاعتها أول الأمر لكنها في غضون عقدين أو ثلاثة عقود من الزمن سوف تنعكس سلبا على نسبة السكان الكلية حيث تزداد نسبة كبار السن بينما تقل نسبة الشباب القادرين على العمل والعطاء. أنا هنا لا أدعو الى فتح المجال أمام الإنجاب بلاحدود سواء بالنسبة لنا كعراقيين أو بالنسبة للبلدان الأخرى. لكن لابد من إتباع سياسة متوازنة نظرا لأننا مقبلون على تحولات عالمية في غاية الخطورة.

فعدد سكان البشرية اليوم هم بحدود 8 مليارات إنسان بينما الموارد بدأت تقل. ليس هذا فقط فإن المخاوف من حيث التغيرات المناخية والجفاف بدأت تتفاقم دون حلول تلوح في الأفق. العراق الذي يبلغ عدد سكانه اليوم بحدود 42 مليون نسمة فإنهم في غضون أقل من عشرين عاما سوف يصبحون 50 مليونا. وإذا قارنا بين هذا العدد المتزايد من السكان وبين الموارد والمخاطر المتعلقة بالجفاف والمناخ والتصحر فإن أية زيادة غير مدروسة في نفوسنا سوف تنعكس سلبا على الأجيال المقبلة. لم تعد مقولة كل طفل يولد يأتي رزقه معه صالحة. بل هي بالأساس لم تكن صالحة لكن كانت الأوضاع المعيشية والطبيعية في الماضي ليست بمثل ماهي عليه من تعقيد اليوم.

مع ذلك فإن مايشفع لنا كعراقيين أن نسبة الشباب لاتزال مرتفعة لكن المفارقة أن هؤلاء الشباب القادرين على العمل عاطلون عن العمل بينما كبار السن يحتكرون الوظيفة العمومية التي هي دون إنتاج يذكر. لذلك فإن قضيتنا ليست مثل الهند والصين حيث معادلة السكان لها إرتباط مباشر بالنمو والتقدم الاقتصادي بل هي مرتبطة بسياسات موروثة من الحقبة الإشتراكية ونظام الدولة البطرياركي الذي لم يعد يوكل خبزا ولا صمون حتى .. لوكان عشرة بالف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى