مقالات

نقاط القوة والضعف في المواجهة الوشيكة بين واشنطن وطهران

حازم الأمين

تتحضر واشنطن لمواجهة مع طهران على وقع مزيد من الانكفاءآت الأميركية أمام التقدم الإيراني على مستوى الإقليم كله. هذا الواقع يدفع إلى الحيرة فعلاً، فالمواجهة تقتضي أدوات محلية أيضاً، ولن يسقط مظليون أميركيون من السماء ليحاصروا النفوذ الأيراني سواء في العراق أو في سوريا أو في لبنان. وحكاية التدخل البري المباشر لم تعد جزءاً من الحساب الأميركي بعد تجربة العراق المريرة.
لا أدوات محلية يمكن لواشنطن أن تعتمد عليها في هذه المواجهة، فهي تخسر موقعاً تلو الآخر، في وقت تحرز فيه طهران تقدماً على أكثر من صعيد. اليوم، وبعد استقالة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري من الرياض، وإعلان الأخيرة أن لبنان صار بلد حزب الله، وأنه سيعامل على هذا النحو، كانت النتيجة أن “السيادة” اللبنانية صارت بعهدة طهران، ولم يعد لواشنطن ولا للرياض أي حضور في المشهد الرسمي اللبناني. وقبل ذلك بأسابيع، كان الحدث العراقي مشابهاً، هُزم الأكراد، حلفاء واشنطن التاريخيين، شر هزيمة، وانتصر حلفاء طهران الشيعة، وها هو مسعود البارزاني يباشر خطوات اقتراب من الإيرانيين كان أبرزها رسالة “دافئة جداً” إلى الجنرال قاسم سليماني. واشنطن وطهران وقفتا ضد الاستفتاء الكردي، ربحت طهران جراء فشله وخسرت واشنطن حليفاً رئيساً في العراق. واليوم يشعر الأكراد بمرارة كبيرة جراء تخلي الولايات المتحدة عنهم. مرارة مثلت درساً كبيراً يتمثل في اعتقاد كردي مستجد مفاده أن لا حلفاء نهائيين لأميركا، بحسب ما قال مسؤول كردي.
في سورية، يقتصر نفوذ واشنطن على مناطق “روج آفا” في الشمال، حيث قوات سورية الديموقراطية (الكردية)، وحيث يُنازع الموقع الأميركي هناك الموقع التركي فينعدم التأثير ويقتصر على توتير في العلاقة بين واشنطن وأنقرة.
أذرع الولايات المتحدة في المواجهة المحتملة، لا سيما في مناطق نفوذ طهران في المشرق، أي لبنان وسورية والعراق، جرى تقليمها، وتبدو قاصرة عن خوض أي مواجهة، إذا لم نقل أنها ذوت بشكل نهائي. وبقي من سلاح المواجهة احتمالين، الأول إسرائيل، وهذه صدر عنها في الآونة الأخيرة أصوات تقول أن الحساب الاسرائيلي في المواجهة مع طهران يتقدم الحساب الأميركي، والثاني سلاح العقوبات الذي يشمل طهران ولبنان، ذاك أن النظام السوري معاقب أصلاً، والعراق خارج الاستهداف الآن.
العقوبات ستؤذي حزب الله من دون شك، لكنها ستؤذي لبنان أكثر، وإذا كان ثمة متوهم في واشنطن بأن تخبط لبنان بانهيار اقتصادي، وهو أمر مرجح سينعكس على النفوذ الإيراني فيه، فإن هذا التوهم سينقلب على أصحابه، إذ لم يسبق أن تألمت طهران على مصائر البلدان التي بثت نفوذها فيها. فهي مستفيدة من حال الدمار العام في سورية، أكثر مما كانت مستفيدة من استقرار النظام في سورية قبل الثورة. هي اليوم الآمر والناهي في سورية، والأمر نفسه في العراق في ظل الانقسامات والأزمات التي تحاصره، وفي لبنان سيستقر الأمر لها بشكل نهائي إذا ما انهار ما تبقى من نظام اقتصادي ومالي وأمني.
لا يبدو أن المواجهة محسوبة من جهة واشنطن. صحيح أن خطوات حثيثة تتم نحوها، لكن جمع النقاط قبلها يفضي إلى أن نتائج المواجهة لن تكون بالضرورة لمصلحة واشنطن. الأخيرة قد تحقق نقاطاً لكنها لن تحسم الوجهة، وربما أبقت الوضع معلقاً في منتصف الطريق على نحو ما فعلت في العراق، وهو وضع تجيد طهران أكثر من واشنطن الاستفادة منه.
الضغط على النظام في إيران عبر خطوط مواجهة تهدد مستقبله لن يجدي، فطهران تقاتل بأدوات غير إيرانية، والاقتصادات المستهدفة لن ينعكس تقهقرها على الداخل الايراني، والنظام في إيران سبق أن خاض مغامرات أكثر خطورة وصلت إلى حد إحداث تغييرات ديموغرافية هائلة واضطرابات أهلية لن تشفى منها مجتمعات المنطقة على مدى قرون، وهو فعل ذلك من دون أن يرف له جفن. وطهران التي فعلت ما فعلت في العراق وفي سورية لن تكون عودة لبنانيين من الخليج جزءاً من همومها، ولا فقدان لبنان نصاباً سياسياً سيؤثر في نفوذها فيه.
أنقرة جرى تحييدها، وموسكو متحفزة للاستثمار باحتمالات الفشل على ضفتي المواجهة، ولتل أبيب حساباتها الخاصة، وهي وإن كانت فعالة في الحروب إلا أنها لا تستطيع المغامرة. الرياض بعيدة عن مسرح الحرب المباشرة، ومساهمتها لن تتعدى سحب الحريري والانخراط بنظام العقوبات.
وفق هذا المشهد ثمة اختلال لمصلحة طهران، لكن على الأكيد هذا الاختلال ليس لمصلحة مجتمعات المنطقة ودولها وحكوماتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى