مقالات

18 سنة

د. فاتح عبدالسلام

ثماني‭ ‬عشرة‭ ‬سنة‭ ‬مرّت‭ ‬على‭ ‬بدء‭ ‬الحرب‭ ‬الامريكية‭ ‬على‭ ‬العراق‭ ‬التي‭ ‬انتهت‭ ‬بتغيير‭ ‬حكم‭ ‬الحزب‭ ‬الواحد‭ ‬والحاكم‭ ‬المطلق‭ ‬الذي‭ ‬استغرق‭ ‬خمساً‭ ‬وثلاثين‭ ‬سنة،‭ ‬وقطف‭ ‬العراقيون‭ ‬نتائج‭ ‬ذلك‭ ‬الحكم‭ ‬بزجّهم‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬مع‭ ‬القوة‭ ‬الاعظم‭ ‬بالارض‭ ‬بغياب‭ ‬القناعة‭ ‬والاستعداد‭ ‬النفسي‭ ‬والمادي‭ ‬وبسلاح‭ ‬أشبه‭ ‬بالبدائي،‭ ‬كما‭ ‬قطفوا‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬النتيجة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬وصف‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬قواميس‭ ‬السياسة‭ ‬وهي‭ ‬تأسيس‭ ‬نظام‭ ‬العملية‭ ‬السياسية‭.‬ماجرى‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬السنوات‭ ‬الثماني‭ ‬عشرة‭ ‬من‭ ‬نزيف‭ ‬وتدمير‭ ‬وانهيارات‭ ‬متعددة‭ ‬الاشكال‭ ‬والطبقات‭ ‬في‭ ‬بنية‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والدولة‭ ‬والامن‭ ‬والمجتمع،‭ ‬بات‭ ‬حائلاً‭ ‬بين‭ ‬العراقيين‭ ‬واستيعاب‭ ‬المعنى‭ ‬التاريخي‭ ‬الكارثي‭ ‬لاحتلال‭ ‬بلدهم‭.‬العرب‭ ‬خاضوا‭ ‬نكسات‭ ‬كبيرة‭ ‬داخلية‭ ‬عدة‭ ‬لكنهم‭ ‬لم‭ ‬يعرفوا‭ ‬حرب‭ ‬احتلال‭ ‬مباشر‭ ‬باستثناء‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬التي‭ ‬تقاتل‭ ‬جيوش‭ ‬أربع‭ ‬دول‭ ‬فيها،‭ ‬في‭ ‬الاقل،‭ ‬لم‭ ‬تذق‭ ‬المعنى‭ ‬الحقيقي‭ ‬للاحتلال‭ ‬وما‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬يفضي‭ ‬اليه‭ ‬من‭ ‬نتائج‭ ‬لاحقة‭ ‬لأنّ‭ ‬دمشق‭ ‬متماسكة‭ ‬في‭ ‬عنوانها‭ ‬السياسي‭.‬الكارثة‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬لها‭ ‬جانب‭ ‬فكري‭ ‬خطير‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬معنى‭ ‬الاحتلال،‭ ‬ذلك‭ ‬ان‭ ‬القسم‭ ‬الرسمي‭ ‬الذي‭ ‬يحكم‭ ‬،في‭ ‬كل‭ ‬الحكومات‭ ‬المتعاقبة،‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬نتاج‭ ‬ركاب‭ ‬الاحتلال،‭ ‬مهما‭ ‬اختلفت‭ ‬التوصيفات‭ ‬والمقاسات‭ ‬والادعاءات‭ ‬وعمليات‭ ‬التجميل،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬انّ‭ ‬حركات‭ ‬المقاومة‭ ‬برزت‭ ‬كتعبير‭ ‬عن‭ ‬تعاطي‭ ‬مع‭ ‬فهم‭ ‬انساني‭ ‬آخر‭ ‬يمتلكه‭ ‬الشعب‭ ‬بشأن‭ ‬الاحتلال،‭ ‬وليس‭ ‬أية‭ ‬جهة‭ ‬رسمية‭ ‬او‭ ‬ارهابية‭. ‬ولو‭ ‬نظرنا‭ ‬الى‭ ‬الجزائر‭ ‬التي‭ ‬تحاكم‭ ‬حقبة‭ ‬الاحتلال‭ ‬الفرنسي‭ ‬اليوم‭ ‬بعد‭ ‬عقود‭ ‬طويلة‭ ‬لرأينا‭ ‬انّ‭ ‬كل‭ ‬الجزائريين‭ ‬لهم‭ ‬فهم‭ ‬متقارب‭ ‬وربما‭ ‬موحد‭ ‬في‭ ‬المطالبة‭ ‬بحقوق‭ ‬تاريخية‭ ‬مستحقة‭ ‬الاخذ‭ ‬من‭ ‬الفرنسي‭ ‬المحتل،‭ ‬لا‭ ‬تسقط‭ ‬بالتقادم‭ ‬الزمني‭ .‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬يجري‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬وهو‭ ‬يخضع‭ ‬لنفوذ‭ ‬احتلال‭ ‬مبطن‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬اخرى،‭ ‬حتى‭ ‬بات‭ ‬الاحتلال‭ ‬السابق‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬العراقيين‭ ‬أقل‭ ‬شراً،‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬مطلوباً‭ ‬لمواجهة‭ ‬احتلال‭ ‬مضاد‭. ‬إنها‭ ‬حقاً‭ ‬أزمة‭ ‬فكرية‭ ‬هي‭ ‬نتاج‭ ‬صدمة‭ ‬تاريخية‭ ‬لم‭ ‬تحظ‭ ‬بدراسة‭ ‬وتحليل‭ ‬عميقين،‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬مستمرة‭ ‬لحقبتين‭ ‬متصلتين‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬فصلهما،‭ ‬وقع‭ ‬تحت‭ ‬نيرهما‭ ‬الشعب‭ ‬العراقي‭ ‬كاملاً،‭ ‬حقبة‭ ‬الاحتلال‭ ‬وكل‭ ‬ماجاءت‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬تشكيلات‭ ‬ومسميات‭ ‬وعناوين‭ ‬متداولة‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬الحالي،‭ ‬وكذلك‭ ‬الحقبة‭ ‬التي‭ ‬سبقت‭ ‬الاحتلال‭ ‬عبر‭ ‬ثلاثة‭ ‬عقود‭ ‬ونيف‭ ‬وأسست‭ ‬لتغيير‭ ‬تعددية‭ ‬التفكير‭ ‬ومصادرة‭ ‬العقل‭ ‬بنظرية‭ ‬الموت‭.‬18‭ ‬سنة‭ ‬،‭ ‬رقم‭ ‬فيه‭ ‬دلالة‭ ‬بداية‭ ‬الرشد‭ ‬في‭ ‬الوعي‭ ‬حتى‭ ‬يستقبل‭ ‬الطالب‭ ‬تعليمه‭ ‬الجامعي‭ ‬أو‭ ‬خدمته‭ ‬العسكرية‭ ‬كتعبير‭ ‬عن‭ ‬القوة‭ ‬والولاء‭ ‬للتراب‭. ‬لكن‭ ‬هل‭ ‬يوحي‭ ‬هذا‭ ‬الرقم‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬بذلك‭ ‬اليوم؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى