مقالات

أبراج شارلي شابلن

أبراج شارلي شابلن _ ياس خضير البياتي

أختصر نجم الربيعي محافظ الموصل قصة تفجير الأبراج الكهربائية بفيلم لشارلي شابلن الذي يجلب معه طفلا مهمته تكسير نوافذ البيوت بالحجارة، في الوقت نفسه يحمل شابلن على ظهره الزجاج لكي يجبر أصحاب البيوت تصليحها. فالقصة كما يراها ليست بفعل داعش فقط، وإنما بفعل طرف ثالث له مصلحة مادية. مضافا إليه إفشال حكومة الكاظمي. ويضيف الربيعي عندما يسقط برج كهربائي ليلا تجد في الصباح مقاول بجنبه يقدم لك عروضا مغرية لإصلاحه!وقصة السرقة، والتفنن بأساليبها، ليست مقتصرة على الأبراج الكهربائية، إنما هي حالة عامة تبدأ من سرقة راتب الموظف البسيط إلى سرقة منابع البترول، مرورا بالبنوك والمنافذ الحدودية إلى تصليح أسنان النواب وبواسيرهم، وموائد الترف العامرة، والأثاث المزخرف بالذهب، والرواتب الكبيرة للرئاسات الثلاثة التي تستنزف ميزانية الدولة.والقصة لا تنتهي إلى هذا الحد، فهناك “تحت العباءة “كما يقولون مصائب وأسرار وأهوال تحدث في الوزارات والمكاتب الاقتصادية للأحزاب؛ عقود ومساومات وبيع مناصب. وكلها تجري تحت الشرعية الدينية في حق لصوص السياسة والدين بأحقيتهم بالتمتع بمال الدولة. بل إن هناك فتاوي دينية أجازت هذا الحق، حيث يصبح المال العام ملك الحاكم يتصرف به كيفما يشاء.وهكذا سارع لصوص العملية السياسية الحاكمة في التفنن بابتلاع أموال الشعب، وشفطها، وتوقير الفاسد المحتال، حيث الفاسد يستجوب الفاسد. وتحرق ملفات النهب بفعل فاعل، ويسجن الموظف البسيط، ويبرئ الفاسد الكبير، وتنتهي قصة الفساد ببراءة جميع الفاسدين!بنك مركزيبمقاييس الضرب والقسمة، تحول العراق إلى بنك مركزي، وليس إلى وطن. فقد تم اقتلاع شوارعه ومصانعه ومزارعه وأنهاره ومتاحفه، ليس للتخريب فقط، وإنما لإنشاء مزادات تجارية، وأسواق للخردة. فلا يسلم من اللص السياسي العراقي شارع جميل من الزمن الماضي إلا وحوله إلى أنقاض بهدف إدخاله في قائمة “المقاولات”، ولم تسلم مدن مخربة من تحويلها إلى “خردة”. فقد أصبح الجانب الأيمن من الموصل، على سبيل المثال، أرضا خصبة لمزادات تجارة المعادن الخردة بدء من السيارات الملغومة والمحطمة والأسلحة الخربة وانتهاء بصهاريج المياه وإطارات النوافذ وحديد البيوت، حيث تدوير خردة الحرب من قبل المليشيات بمعاونة السياسيين المحليين، وبيعها بأقل من قيمتها السوقية. فبدلا من استغلال هذه المواد لإعادة أعمار المدينة التي بات 91 بالمئة منها أنقاضا، فقد تم تحويلها من قبل التجار إلى حديد التسليح في الشمال وإيران. وهذا الأمر عرقل مشروع شركة فرنسية لإعادة أعمار 55 الف وحدة سكنية من خلال الطباعة ثلاثية الأبعاد والاستفادة من تدوير الأنقاض والخردة.كذلك لا يتم نهب الخردة من تحت الأنقاض فحسب، بل تم أيضا نهب المنشآت النفطية، مثل مصافي تكرير النفط، حيث لم تسلم مصفاة بيجي من النهب والتخريب، فقد تم تفكيكها وتهريبها إلى البلدان المجاورة.ومثلما تم بيع العراق سياسيا، فقد تم بالمقابل تحويل العراق إلى “خردة” من الحديد والمزابل والأنقاض والنفايات السياسية القذرة. فما عاد العراق بهيا يوم كان رجاله يصنعون مجده بصدق الولاء، وتضحية الواجب، ونكران الذات “أول من يضحي وآخر من يستفيد”. كان الوزير عاملا في الشارع يزرع الزهور والنخيل، كما في صورة سمير الشيخلي، والوزير في مخازن الحبوب والمواد التموينية يمسك “آلة الحاسبة” يجمع حصة المواطن بالعدل، فلا ينام الليل إلا بعد إن يؤمن قوت الشعب بالبطاقة التموينية، كما في صورة محمد الراوي وزير التجارة الأسبق. وكنا نقرأ يوميا مراسيم لإعدام المسؤولين والتجار والفاسدين. فلا أحد من لصوص السلطة والمال يسلم من قصاص الحق.أما اليوم، فالفساد والنهب، له لون جديد، ورائحة نتنة لا يمكن تحمله من فرط عفوتنه. فالوزير يأتي تحت شرعية الفساد ليصبح وكيلا رسميا ذليلا للأحزاب. عينه على السلطة والوجاهة، والعين الأخرى على عقود الشركات. أما الأحزاب الدينية فأنها “تشفط” العقود “باسم الدين باكونا الحرامية”. فهناك متوالية هدم وتخريب مستمرة، ولصوصية ممنهجة هدفها مالي، والآخر سياسي مرتبط بأجندة خارجية لمحو العراق.بشكل عام، الإرهاب والفساد وجهان لعملة واحدة. والفساد آفة خطيرة، ومعول هدم، يفضي إلى نهاية الدول، وموت المؤسسات، وهو ضد الإصلاح. وقد أصبح الفساد ثقافة راسخة في عقل السياسي العراقي، وجزء من منظومته الأخلاقية. لذلك أصبح العراق بيئة فساد يشبه الأواني المستطرقة، حيث يتوزع الفساد في كل مفاصل الدولة السياسية والإدارية، ومؤسساته وأحزابه. مما أنتج لنا مواليد سياسية تشبه شارلي شابلن في تفننه بكسر زجاج بيوت العباد.في العراق ” الديمقراطي لا تجد إلا “الخردة خردة السياسة، وخردة المزابل والأنقاض. وصراصير سياسية تملأ المطبخ العراقي!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى