مقالات

أرجوكم لا تصفوني بالبطران

أرجوكم لا تصفوني بالبطران – جليل وادي

أرجوكم لا تصفوني ( بالبطران ) ان تحدثت لكم عن التلوث الثقافي ، أعرف ان حديثي عن ذلك قد يثير تندر البعض ، او قولهم بأني أضع الامور في غير مقامها ، او ان حديثي عنه نوع من الترف ، ربما يصرخ بوجهي أحدهم قائلا :

ألا ترى بعض البلديات ترمي نفاياتها على جانبي الطرق العامة وعلى مسافة لا تبعد سوى كيلو مترات معدودة عن ادارة البلدية ، تخيل ما سيقوله عنا سواق الشاحنات الأتراك او الزوار الايرانيون الذين يسلكون هذه الطرق ؟ بينما تتحدث لنا عن التلوث الثقافي ، ألم تر بنفسك ألوان الدنيا على حقيقتها في بلدانهم ، فالسماء صافية ، والهواء عليل وخضرة الحقول زاهية ، في حين يسورنا اللون الرمادي من جهاتنا الأربع .تنتابك الحيرة لمرأى هذه النفايات وعدم الالتزام برميها في المكبات المخصصة لها ، ما الذي يحول دون قيام المسؤولين بجولات تفتيشية ، ماذا يفعل هؤلاء الذين وضعتهم الحكومة في هذه المناصب الرفيعة لتكون صحتنا وعافيتنا بين أيديهم ؟

أوصيك بعدم مناقشتهم ، فهم يظنون أنفسهم عارفين بكل شيء ، يفهمون بالتلوث البصري والسمعي ، ولهم من الرؤية الجمالية ما يتفوقون بها على معماريتنا العالمية زها حديد ، واذا لم تقتنع يسكتونك بطرق مختلفة ، فحذار من المجادلة ، لأن أثمانها باهظة جدا . واذا نبهتهم لموضوع معين ، بدبلوماسية عالية يجيبونك : انه قيد الدراسة منذ أشهر ، وأخذ من تفكيرهم الكثير ، ويعدونك بتنفيذه قريبا ، من جانبك قل لهم نعم ولا تصدق ما يقولون .

تذكرني وعود بعض المسؤولين ( بالطسه ) التي كتبت عنها مقالا قبل أكثر من سنة ، طالبت فيه دائرتي المرور والبلدية بعمل ( طسة ) في تقاطع وصف بالمرعب ، وليس نصب اشارات ضوئية ، لأن هذا صار من بين المستحيلات ، والذرائع ( تحت الابط ) كما يقال ، لكي يخفف سواق السيارات والدراجات النارية من سرعتهم في التقاطع بما يسمح بعبور المركبات الأخرى والسابلة ، فقد شهد العشرات من حالات الدهس والتصادم ، آخرها خسارة استاذ جامعي .

وصادف ان التقيت أحد مسؤولي هاتين الدائرتين ووعدني بتحقيق مطلب ( الطسه ) ، لكن مضى على ذلك أشهرا تساوي أشهر تشكيل الحكومة دون جدوى ، ولا أظن لذلك تحقيقا ، فكيف لدوائرنا التي تعجز عن انشاء ( طسه ) في شارع أن تزرع حزاما أخضر حول المدن لكي لا يخنقنا الغبار ؟ .التلوث لدينا أصناف شتى ، بضمنها التلوث السمعي الذي يحاصرك ويوتر أعصابك ، ويغّير مزاجك ، فبدل الاستمتاع بالتجوال في الأسواق ومرأى الناس ، تواجهك ظاهرة مكبرات الصوت ، فلكل بائع مكبرته التي ينادي من خلالها على بضاعته بشكل مستمر وبأعلى مستوياتها ، فتصم اذنيك ، وعلى عجل تشتري سلعتك وتولي هاربا ، والشوارع ليست بأفضل حال من الأسواق ، فالكثير من السواق يستخدمون المنبهات (الهورنات ) بداعي وبدونه ، بعضهم يستمتع بأصواتها كلذة بعض الشباب بأصوات عوادم سياراتهم ودراجاتهم النارية الحديثة ، فيذعرون بها الأشخاص الغافلين ، بخاصة الفتيات منهم ، يحدث ذلك وليس من متصد لهذه الظاهرة ، عجزا او لامبالاة او انشغالا بما هو أهم ، وليس أهم من المصالح الخاصة ، فأستغرب قرار المرور محاسبة السواق على عدم ارتداء حزام الأمان ، بينما لا تحاسب سواق المركبات ذات الأصوات المزعجة ، او قيادة المركبات من أطفال دون سن الرشد ، او الدراجات التي لا تحمل ارقاما ، يجري الكثير مما أقول على مرأى رجال المرور الذين لا يتعاملون معه بجدية ، او بطريقة لا أريد الحديث عنها

.ندور في دوامة تلوث متواصلة ، سمعيا وبصريا ، فضلا عن تلوث البيئة الذي تمظهر بآلاف الصيدليات وأمثالها من العيادات الطبية الخاصة ، فاذا كانت الدولة مسؤولة عن مكافحة التلوث ، فان المجتمع يتحمل جزءا منه ، لذلك قيل ان اعمار الانسان أهم من تشييد البنيان ، فأغلب التلوث الذي يعكر حياتنا هو حصيلة تخلفنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى