مقالات

اخر انفاس حكومة علاوي

الكتب : د. هاشم العوادي

لم تبقى الا ساعات قليلة على انتهاء المهلة الدستورية لرئيس الوزراء العراقي المكلف محمد توفيق علاوي لتسنم منصبه قانونيا وبخلافه ستؤول الامور الى رئيس الجمهورية لتكليف شخصية بديلة عنه دون الرجوع الى الكتلة الاكبر وفق المادة 76 ثالثا من الدستور العراقي لعام 2005، فحتى ساعة كتابة هذه السطور فشل علاوي في اقناع الاطراف المعنية بمنحه الثقة بعقد جلسة برلمانية، فبالرغم من جميع المحاولات التي قام بها لإرضاء الفرقاء السياسيين، واقناع الاطراف الرافضة له من المتظاهرين، واصرار كتلة سائرون على تمرير حكومته، ووعود بعض الكتل والنواب بالتصويت لصالحه الا ان ارتفاع سقف المطالب الكردية، واصرار بعض الاحزاب ( السنية والشيعية ) على ( استحقاقاتها الانتخابية ) في الحصول على حقائب وزارية، كل هذه الاختلافات والخلافات ، فضلا عن تراجع ساحات التظاهر بسبب فايروس كورونا جعلت عقد جلسة برلمانية فضلا عن منح الثقة لحكومته امرا معقدا وصعبا ويبدو بعيد المنال مما يعني ان احتمالات التغيير باتت اقوى من احتمالات التمرير.

ولكن لم تكن اسباب احتمالات فشله في الحصول على ثقة البرلمان منحصرة فيما تقدم، وانما كان لبعض ( سقطات ) علاوي الدور الكبير والفاعل في موقف الكتل السياسية منه والذي ترجمته في غيابها عن جلسة منح الثقة ليوم الخميس 27/ شباط والتي تاجلت لاكثر من مرة، ولعل من ابراز سقطات علاوي هي:

1- اتهامه لبعض النواب باستلام الرشوة مقابل تغيير موقفهم الداعم له وهو الاتهام الذي فسره البعض على انه استعداء منه للبرلمان. هذا الاتهام جعل من علاوي خصما قانونيا للبرلمان اذ تم مفاتحة القضاء العراقي من قبل اللجنة القانونية في البرلمان العراقي لمطالبة علاوي باثبات هذا الاتهام او يتحول الامر الى دعوى قضائية ضده.

2- تصريحه قبل 24 ساعة تقريبا من جلسة التصويت بان الشرفاء في مجلس النواب هم من سيصوتون لمنح الثقة، مما قراه البعض على انه استفزاز لمجلس النواب في غير محله وسابق لاوانه.

3- استمرار التعديل على كابينته الوزارية حتى الساعات الاخيرة التي سبقت جلسة الخميس الفاشلة، اضافة الى تقديمه اكثر من مرشح لوزارة واحدة فضلا عن خلو بعض الوزارات عن المرشحين كشف عن وجود اضطراب وعدم استقرار على الكابينة الوزارية.

4- شعور الشارع العراقي بالإحباط لعدم مطابقة الاسماء المرشحة مع تصريحات علاوي حول اعضاء كابينته ووصفه لهم بالكفاءة والنزاهة، اذ نجد لدى بعض المرشحين عدم التطابق بين تخصصاتهم العلمية وحقيبتهم الوزارية.كما في وزير الهجرة الذي يمتلك خبرة 50 سنة في الصناعة. ووزير الثقافة الذي هو بالاساس محلل سياسي وبعيد عن المحال الثقافي.

5- وجود اكثر من مرشح مزدوج الجنسية وهو ما يتعارض مع مطالب المتظاهرين، فضلا عن خلو .

6- ذهابه بعيدا في مهام حكومته وعدم تركيزه على الوظيفة الاساسية والرئيسية التي انتدب لها وهي اجراء الانتخابات المبكرة، اذ ان تصريحاته حول عمل الحكومة ومهامها يراها البعض بانه يتعامل مع التكليف على انه استبدال لرئيس الوزراء السابق وان الرجل يطمح لاكمال الدورة الرئاسية.

جميع هذا الاسباب تفاعلت وجعلت المراقب يرى بان الاتجاه نحو رجوع الازمة السياسية الى مربعها الاول وارد جدا ( اذا لم تحصل مفاجأة الساعات الاخيرة ) مما يضع الوضع السياسي في العراق امام عدة سيناريوهات خصوصا مع ما شكلته ازمة كورونا من بيئة مناسبة لحركة احزاب السلطة نتيجة الاجراءات الاحترازية التي اتخذتها حكومة تصريف الاعمال، واستجابة الشارع العراقي لها والتي ربما ستكون سببا في تخفيف الدور الكبير للضغط الجماهيري على الاحزاب السياسية من اجل الاسراع بتنفيذ مطالبها في الاصلاح. ومن ثم فان فشل حكومة علاوي في الحصول على ثقة البرلمان وانتهاء المهلة الدستورية ستضع العملية السياسية امام سيناريوهات متعددة يمكن ان يكون ابرزها:

السيناريو الاول: اتهام الكتل السياسية لرئيس الجمهورية بوقوفه وراء فشل منح الثقة لاسيما وان هذا الاتهام له ما يبرره، اذ كانت الاحزاب السياسية ترى بان الرئيس العراقي يسعى الى الاستحواذ على منصبي الرئاسة التنفيذية ( الجمهورية والوزراء ) فضلا عن ورود معلومات عن دعمه لمرشح لهذا المنصب الا انه فشل في اقناع الاطراف السياسية بالقبول به. وهذا السيناريو ربما سيكون سببا في عودة التظاهرات مرة اخرى بالرغم من التحديات الصحية التي تواجهها.

السيناريو الثاني: اتخاذ الكتل السياسية لاجراء استباقي يتمثل بتقديم الكتلة الاكبر لمرشح جديد بدلا عن علاوي ووضع الكرة في ساحة رئيس الجمهورية والذي سيجد نفسه مضطرا الى القبول وهذا السيناريو يستدعي من الكتلة الاكبر ان لا تكتفي باختيار المرشح فقط وانما عليها ان تعد الكابينة الوزارية في جولة واحدة خوفا من انتهاء المهلة الدستورية وجعل القرار بيد رئيس الجمهورية. وايضا الاستفادة من حالة الهدوء النسبية في ساحات التظاهر بسبب فايروس كرونا، والذي يمكن ان يساهم في هيمنة مؤيدي هذه الاحزاب على ساحات التظاهر اذا ما استدعى الامر الى اظاهر هذا السيناريو على انه مطلب شعبي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى